للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبصارهم صحيحة سالمة لا عمى بها. وإنما العمى بقلوبهم. أولا يعتدّ بعمى الأبصار، فكأنه ليس بعمى بالإضافة إلى عمى القلوب.

فإن قلت: أى فائدة في ذكر الصدور؟ قلت: الذي قد تعورف واعتقد أنّ العمى على الحقيقة مكانه البصر، وهو أن تصاب الحدقة بما يطمس نورها. واستعماله في القلب استعارة ومثل، فلما أريد إثبات ما هو خلاف المعتقد من نسبة العمى إلى القلوب حقيقة ونفيه عن الأبصار، احتاج هذا التصوير إلى زيادة تعيين وفضل تعريف، ليتقرّر أنّ مكان العمى هو القلوب لا الأبصار، كما تقول: "ليس المضاء للسيف ولكنه للسانك الذي بين فكيك"، فقولك «الذي بين فكيك» تقرير لما ادّعيته للسانه وتثبيت لأنّ محلّ المضاء هو هو لا غير، وكأنك قلت: ما نفيت المضاء عن السيف وأثبته للسانك فلتة ولا سهوا منى، ولكن تعمدت به إياه بعينه تعمدا.

[(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) ٤٧ - ٤٨].

أنكر استعجالهم بالمتوعد به من العذاب العاجل أو الآجل، كأنه قال: ولم يستعجلون به؟ كأنهم يجوّزون الفوت، وإنما يجوز ذلك على ميعاد من يجوز عليه الخلف،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (احتاج هذا التصوير على زيادة تعيين، وفضل تعريف)، قال الزجاجُ: جرى هذا على التوكيد كما في قوله تعالى: (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ) [آل عمران: ١٦٧]، وقوله تعالى: (وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ) [الأنعام: ٣٨]، وقلتُ: التوكيدُ في (يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ) لتقرير معنى الحقيقة، وأن المراد بالطير: المتعارفُ، وفي (تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) لتقرير معنى المجاز، وأن العمى مكانه القلبُ البتة، وإليه الإشارة بقوله: "فلما أريد إثباتُ ما هو خلافُ المعتقد، احتاج هذا التصوير إلى زيادة تعيين".

قوله: (وإنما يجوز ذلك على ميعاد من يجوز عليه الخُلفُ)، أي: إنما يجوزُ الفوتُ على من

<<  <  ج: ص:  >  >>