للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ)، وبقوله: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ) أمر نبيه صلواتُ الله عليه بأنْ يُنذرهم العذاب بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) إلزاماً للحجة، وإزاحةً للعلة، ثُم شرع في مقاتلتهم، ولما كان الإحسان إلى المؤمنين مما يغمهم ويغيظهم، كان داخلاً - بهذا الاعتبار - في معنى التخويف والإنذار.

وقلتُ: ويمكنُ أن يقال- والله أعلم-: إن الآية واردةٌ لبيان ما يترتبُ على الإنذار من انتفاع من قبله، وهلاك من رده، فكأنه قيل: أنذر يا محمدُ هؤلاء الكفرة وبالغ فيه، فمن قبل منك وآمن فله الثواب، ومن دام على ما كان في إبطالٍ ما جئت به وسعى فيه فقد أديتَ حقك فقاتلهم ليُعذبهم الله تعالى في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالجحيم، فلا يكونُ ذكرُ المؤمنين لاغتمامهم. ويعضد هذا التأويل ما روينا عن البخاري ومسلم، عن أبي موسى، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن مثلي ومثلُ ما بعثني الله به كمثل رجلٍ أتى قومه فقال يا قوم، إني رأيتُ الجيش بعيني، وأنا النذيرُ العريان، فالنجاء النجاء، فأطاعته طائفةٌ من قومه، فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفةٌ منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثلي ومثلُ من أطاعني واتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق".

وقريبٌ من هذا المعنى ما ذكره الإمام وقال: نه تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يديم لهم التخويف والإنذار، وأن لا يصده ما يكون منهم من استعجال العذاب على سبيل التهكم، وأردف ذلك بأن أمره بوعدهم ووعيدهم؛ لأن المنذر إنما يكون منذراً إذا قرن الوعد بالوعيد.

وقلتُ: ويؤيد هذا التقرير قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ) يعني: ينبغي لك أن تعزم على الإنذار وتديمه، ولا يلحقك فتورٌ لا من قبل شياطين الإنس،

<<  <  ج: ص:  >  >>