للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كأنه بغض يقلي الفؤاد والكبد. وفي هذا دليل على عظم المعصية، والمراد: القلى من حيث الدين والتقوى، وقد تقوى همة الدّين في دين الله حتى تقرب كراهته للمعاصي من الكراهة الجبلية. (مِمَّا يَعْمَلُونَ) من عقوبة عملهم وهو الظاهر. ويحتمل أن يريد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لقالٍ من القالين، فـ "من": صفةٌ للخبر متعلقةٌ بمحذوف، واللام متعلقةٌ بالخبر المحذوف، وبهذا تخلص من تقديم الصلة على الموصول، إذ لو جعلت {مِنَ الْقَالِينَ} الخبر لأعملته في {لِعَمَلِكُمْ}.

قوله: (من عقوبة عملهم، وهو الظاهر)، وذلك من وجهين، أحدهما: أن استعمال النجاة في الخلاص من العقوبة أظهر من استعماله في العصمة عن الذنوب، وثانيهما: دلالة الدعاء بعد قولهم: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ} إلى آخره، على أنه عليه السلام حصل على يأسٍ عظيم من إيمان القوم فأذن بأن الإنذار لم يجد فيهم فلم يبق إلا حلول العذاب.

ولابد من تحرير هذا المقام والنظر فيه بحسب تأدية الألفاظ للمعاني الواقعة، والواقع أن القوم هلكوا بعذابين: التدمير، وإمطار الحجارة، كما قال: "المراد بتدميرهم: الائتفاك"، وأما الأمطار، فعن قتادة: أمر الله تعالى على شذاذ القوم حجارةً، ويدل عليه قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [هود: ٨٢]، فإذن لابد من بيان إفادة الفاء في قوله تعالى: {فَنَجَّيْنَاهُ} وإفادة "ثم" في {ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ}، {دَمَّرْنَا} على {فَنَجَّيْنَاهُ} يلزم أن يكون العذاب ثلاثةً، فلابد من تأويل {فَنَجَّيْنَاهُ} إما بمعنى الاستجابة، أي: استجابة التنجية لم تتخلف عن الدعاء، أو تقدير الإرادة حتى يصح العطف، وفي قول المصنف إشعارٌ بأن قوله: ونجيناه المراد منه: التنجية من العذاب الكائن قبل التدمير والإمطار لقوله: "لم يكن الغبور صفتها وقت تنجيتهم"، والمعنى على التأويل الصحيح: قال لوطٌ: رب نجني وأهلي مما يعملون، فاستجبنا دعاءه في تنجيته وأهله إلا عجوزاً قدرنا غبورها، ثم دمرنا الآخرين وأمطرنا عليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>