للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بنو فلان فعلوا كذا وإنما فعله ناس منهم. فإن قلت: إن الآية سيقت لاختصاص الله بعلم الغيب، وأن العباد لا علم لهم بشيء منه وأن وقت بعثهم ونشورهم من جملة الغيب وهم لا يشعرون به، فكيف لاءم هذا المعنى وصف المشركين بإنكارهم البعث مع استحكام أسباب العلم والتمكن من المعرفة؟

قلت: لما ذكر أن العباد لا يعلمون الغيب، ولا يشعرون بالبعث الكائن ووقته الذي يكون فيه، وكان هذا بيانا لعجزهم ووصفا لقصور علمهم: وصل به أن عندهم عجزا أبلغ منه، وهو أنهم يقولون للكائن الذي لا بدّ أن يكون، وهو وقت جزاء أعمالهم لا يكون، مع أن عندهم أسباب معرفة كونه واستحكام العلم به. والوجه الثاني: أن وصفهم باستحكام العلم وتكامله تهكم بهم، كما تقول لأجهل الناس: ما أعلمك على سبيل الهزؤ، وذلك حيث شكوا وعموا عن إثباته الذي الطريق إلى علمه مسلوك، فضلا أن يعرفوا وقت كونه الذي لا طريق إلى معرفته:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (إن الآية سبقت)، تلخيص السؤال: أن قوله: {لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ} الآية، دل على أنه تعالى هو وحده يعلم الغيب، وقوله: "بل أدرك علمهم" دل على تكامل علمهم واستحكامه في أن القيامة كائنةٌ، وأنهم مع ذلك منكرون، فأي مناسبةٍ بينهما حتى توسطت بينهما كلمة الإضراب؟

وأجاب بجوابين:

أحدهما: أن الثانية وردت مستطردةً، والمناسبة بينهما إثبات العجزين، الثاني أبلغ من الأول.

وثانيهما: أن الآية الأولى نافيةٌ لمعرفته علم الغيب العام عنهم مطلقًا، والثنية نافيةٌ لمعرفة العلم الخاص على وجهٍ أبلغ، لأن إثبات العلم على التهكم لإرادة النفي أبلغ من نفيه مطلقًا، وإليه الإشارة بقوله: "فضلًا أن يعرفوا وقت كونه الذي لا طريق إلى معرفته" فجاء الترقي من الأدون إلى الأغلظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>