للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من قرأ: بلى أأدرك؟ على الاستفهام فمعناه: بلى يشعرون متى يبعثون، ثم أنكر علمهم بكونها، وإذا أنكر علمهم بكونها لم يتحصل لهم شعور بوقت كونها، لأنّ العلم بوقت الكائن تابع للعلم بكون الكائن. (فِي الْآخِرَةِ) في شأن الآخرة ومعناها فإن قلت، هذه الاضرابات الثلاث ما معناها؟ قلت: ما هي إلا تنزيل لأحوالهم: وصفهم أولا بأنهم لا يشعرون وقت البعث، ثم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية؛ فلا يزيلونه، والإزالة مستطاعة. ألا ترى أن من لم يسمع اختلاف المذاهب وتضليل أربابها بعضهم لبعض: كان أمره أهون ممن سمع بها وهو جاثم لا يشخص به طلب التمييز بين الحق والباطل، ثم بما هو أسوأ حالا وهو العمى، وأن يكون مثل البهيمة قد عكف همه على بطنه وفرجه، لا يخطر بباله حقا ولا باطلا. ولا يفكر في عاقبة. وقد جعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه؛ فلذلك عدّاه بـ "مِن" دون "عن"،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (ثم أنكر علمهم بكونها)، أي: قال: "أدرك علمهم في الآخرة"، بمعنى: ما أدرك علمهم في نفس الآخرة، والمراد: نفي علمهم بمعرفة وقتها بالطريق البرهاني، وإليه الإشارة بقوله: "لأن العلم بوقت الكائن تابعٌ العلم بكون الكائن".

قوله: (ما هي إلا تنزيلٌ لأحوالهم)، أي: لجهلهم بأحوال القيامة، المعنى: كيف يشعرون وقتها، وهم لا يعلمون كيف كونها، وأن البعث والحشر ثابتٌ في نفسه؟ فإن الأول تابعٌ للثاني، بل كيف يشعرون كونها، وهم خابطون في ظلماء الشك؟ فإن الجاهل أهون حالًا من الشاك الذي يتخبط في شكه لما يحتاج الثاني إلى إزالة الشك، ثم تحصيل العلم بخلاف الجاهل، وكيف يزيلون الشك وهم كالبهائم في العمى؟ فقوله: "ثم بما هو أسوأ حالًا" عطفٌ على قوله: "ثم بأنهم يخبطون"، وقوله: "فلا يزيلونه" إلى قوله: "بين الحق والباطل" متفرع على قوله: "ثم بأنهم يخبطون" والأسلوب من باب الترقي من الأهون إلى الأغلظ.

قوله: (وقد جعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه)، يريد أن معنى "من" في "منها" في الموضعين الابتداء، ومرجعه الصدور والإنشاء، وفيه شائبةٌ من معنى السببية، وأن الكفر بالآخرة سببٌ للعمى.

<<  <  ج: ص:  >  >>