للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دلّ على أن اتخاذ البعث هو الذي تعمد بالكلام، وفي الأخرى على أن اتخاذ المبعوث بذلك الصدد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وبيانه: أنه تعالى لما وبخ المشركين إنكارهم الحشر بقوله: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}، ثم جهلهم بوقت البعث بقوله: {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}، وترقى فيه ذلك الترقي المذكور، حكى عنهم ما كانوا يتفوهون به في ذلك من قوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا}، وضع {الَّذِينَ كَفَرُوا} موضع المضمر، للإشعار بأن هذا القول إنما صدر عنهم لتماديهم في الكفر، حيث ضموا مع ذكرهم ذكر آبائهم، وجعلوهم ترابًا صرفًا لأجزاء هناك على صورة نفسه، وقدموا المنصوب على المرفوع في قولهم: {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا}، وهو المراد من قوله: "دل على أن اتخاذ البعث"، وأما في سورة المؤمنين فلم يسبق من ذلك شيءٌ.

نعم حكى عنهم قولهم لينبه به على أن ذلك جرى من محض التقليد، ومتابعة أسلافهم في تكذيب الأنبياء في البعث، فأقر كلًا من المرفوع والمنصوب في مكانه، ولم يذكر آباءهم، وصرح بذكر العظام، وهو المراد من قوله: "دل على أن اتخاذ المبعوث" يعني: إنما قدموا هذا هنا والمشار إليه البعث ليؤذن بأنهم إنما اتخذوا البعث منكرًا، وقدموا "نحن" في المؤمنين ليعلم بأنهم إنما اتخذوا "المبعوث بذلك الصدد"، أي: هو الذي يعمد بالكلام اتخاذ المبعوث.

وكلام صاحب "المفتاح" يجب أن يحمل على هذا المحمل، وذلك قوله: فالجهة المنظور فيها هناك هي كون أنفسهم ترابًا وعظامًا، والجهة المنظور فيها هاهنا هي كون أنفسهم وكون آبائهم ترابًا لأجزاء هناك من بناهم على صورة نفسه، ولا شبهة أنها أدخل عندهم في تبعيد البعث، فاستلزم زيادة الاعتناء بالقصد إلى ذكره.

وأما قوله: "وفي آية أخرى قدم {نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا} "، فمن باب المشاكلة، إذ ليس هناك تقديمٌ اصطلاحيٌ.

قوله: (دل على أن اتخاذ البعث)، عن بعضهم: "على" في الموضعين فاعل "دل"، أي: دل على جعل الله البعث معتمدًا في الكلام، وعلى جعله المبعوث معتمدًا فيه في الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>