وإلا فما كان خلافهم ذا شأن كبير كما صار الحال عليه فيمن بعدهم، كما لم يكن خلافهم فى التفسير «كتفسير» وإنما كان خلافهم على حسب اختلاف رؤاهم فى مستجدات الوقائع التى لم تسبق من قبل فى عصر الصحابة، مع اختلاف البيئات التى انتقلوا إليها ووجدوا أنفسهم بإزائها، مما لم يألفوه فى جزيرة العرب- من عادات وتقاليد وطبائع كان ينبغى عليهم مواجهتها لما طلبت آراؤهم فيها.
فى حين أن اختلاف الصحابة لم يكن يتعدى ما عند واحد منهم من أسباب النزول، أو العلم بمفردات اللغة ما ليس عند الآخر، أو علم أحدهم بقراءة لا يعرفها غيره. كما لم يتعد خلافهم غير اختلاف العبادات حول مسمى متحد، أو أن يكون للفظ واحد عدة معان، فيحمله أحدهم على معنى، ويحمله الآخر على أحد المعانى الأخرى، أو أن يكون تعبيرهم عن المعانى بألفاظ متقاربة، وليست مترادفة- إلى غير ذلك من الأسباب التى تبدو اختلافا وهى ليست كذلك فى حقيقة الأمر .. غير أن الباحثين وضعوا لنا ما يشبه التقنين فى ما لو وقع خلاف صريح بين قولين من أقوال الصحابة يتعذر الجمع بينهما فى مسائل التفسير بإحدى الوسيلتين الآتيتين:
الأولى: إن تعارضت الأدلة تماما بحيث لا يمكن الجمع بينها فإن موقفنا من هذا التعارض أن نؤمن بمراد الله- عز وجل- ولا نلجأ إلى الميل لأحد القولين المتعارضين.
وتصبح المسألة بالنسبة لنا بمنزلة المجمل قبل أن يفصل، والمبهم قبل أن يبين، والعام قبل أن يخصص، والمتشابه قبل أن يفسر.
الثانية: يقدم قول ابن عباس- إن كان له فيها قول- على آراء غيره (وهذا رأى الزركشى) لبشارة النبى صلّى الله عليه وسلّم له.