للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمصنفاتها وبحوثها، فى الوقت الذى تجنب فيه كتاب الوحى مظنة الخلط بين تدوين القرآن الكريم وتدوين السنة المشرفة، فقد أمن اللبس والخلط بينهما تماما بسبب ظهور هذا النهى الرسمى المبكر.

حتى إذا كان مطلع القرن الثانى الهجرى حفزت مجموعة من الأسباب والبواعث همّة عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين إلى إصدار أمره إلى ابن شهاب الزهرى بجمع السنة وتدوينها.

وكان هذا أول أمر رسمى بتدوين وكتابة السنة.

غير أن المنيّة لم تمهل هذا الخليفة العظيم حتى يرى ثمرة أمنيته وقد تحققت، بل لم يقدّر للسنة النبوية أن تجمع كلها من صدور الرجال فى كتاب واحد.

ولكن لم ينته القرن الثالث الهجرى حتى دونت أهم كتب المسانيد والصحاح وهما مسند الإمام أحمد بن حنبل، وصحيح أبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى، وحتى وقت جمع هذين السفرين الجليلين من صدور الرواة إلى سطور الصحف كانت السنة غالبا تحفظ فى الصدور، ويتلقاها الخلف عن السلف شفاها فى حرص شديد، ودقة تامة.

وكان هذا هو الحال الغالب والأعم بالنسبة للسنة النبوية، وإن كان قد وجد بعض الصحف المكتوبة سواء فى عهد النبى صلّى الله عليه وسلّم أم فى عهد الصحابة رضى الله عنهم، غير أن هذه الصحف لم تكن من الغلبة والكثرة بالقدر الذى يمكننا من إصدار حكم قاطع بأن السنة قد دونت وجمعت كلها كما دون القرآن وجمع.

ولما كان حظ السنة فى القرون الثلاثة الأولى الغالب عليها «الرواية»، فقد حرص النقاد من حفاظ الحديث حرصا شديدا على تتبع رواة السنة ونقلتها، وتمييز مروياتهم من مرويات غيرهم من الضعفاء والمتهمين بقلة الأمانة فى نقل مأثور الكلام عن المعصوم صلّى الله عليه وسلّم، لما فى «الرواية» شفاها من مظنة الخطأ وضعف

<<  <   >  >>