للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنصارِيْ المدينة مالًا من نخلٍ، وكان أحب أمواله بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يدخلها، ويشرب من ماءٍ فيها طيب. قال أنس: فلما نزلت هذه الآية لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، قام أبو طلحة إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فقال: يا رسول الله، إن الله -عز وجل- يقول: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٢٢) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ} (١) وإن أحب أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو بِرَّها وذُخرَها عند الله، فضعْها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: بخٍ بخٍ، ذلك مالٌ رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعتُ ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، قال أبو طلحةَ: أَفعَلُ يا رسول الله فقسمها أبو طلحةُ في أقاربه وبني عمه (٢).

قلت: هذه البئر وسط حديقةٍ صغيرة فيها نخل جيد وهي شمالي سور المدينة الشريفة بينها وبين السور الطريق وتعرف الآن بالنويرية (٣) اشتراها بعض نساء النويريين (٤) ووقَفها على الفقراء، والمساكين، والواردين، والصادرين لزيارة سيد المرسلين -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهي كما ورد فيها مستقبلة المسجد، قال الشيخ محب الدين بن النجار -رحمه الله- (٥): ذرعتها، فكان طولها عشرين ذراعًا، منها أحد عشر ذراعًا ماء، والباقي بناء، وعرضها ثلاثة أذرع وشيئًا يسيرًا (٦).


(١) سورة آل عمران، الآية: ٩٢.
(٢) انظر الحديث وقصة تبرع أبي طلحة ببئر حاء في البخاري ج ٢ ص ٨١٤.
(٣) النويرية: أي في عصر المؤلف أما في هذا الوقت فهي غير معروفة فقد ذهبت عند إعادة تخطيط المنطقة المركزية حول الحرم وفتح شوارع جديدة تؤدي إليه.
(٤) في (ب) و (ص) فراغ.
(٥) ما ذكره ابن النجار من أن طولها هو أربعة عشر ذراعًا ونصف ماء والباقي بنيان، وعرضها ثلاثة أذرع وشبر، وليس كما ذكر المؤلف. الدرة الثمينة ص ٤١.
(٦) بئر حاء: اختلف في اسمها ورسمها فمنهم من ينسبها إلى رجل أو امرأة كان في القديم له، ومنهم من يرى أن اسمها مركب، ومنهم من يراه يتألف من مضاف ومضاف إليه، وأيضًا يقصرون الحاء ويمدونها، ورجح غير واحد أنها بلفظ حرف المعجم أي بحاء ممدودة (السمهودي ج ٣ ص ٥٦١ - ٩٦٥)، وهي- كما وصفها المؤلف- كانت تقع شمال المسجد النبوي، خارج سور المدينة بقليل وقد أدركها بعض المحدثين في أواخر القرن الرابع عشر ثم ذهبت في التوسعة الحديثة للحرم. عبد القدوس الأنصاري: آثار المدينة المنورة ص ٢٤٨.

<<  <   >  >>