للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى أن وصل النصل إليها فلم أجد لذلك ألمًا، ولا حرًا فحرق النصل، ولم يحترق العود. فأدرت السهم فأدخلت فيها الريش فاحترق ولم يؤثر في العود. وأخبرني بعض مَنْ أدركتها من النساء أنهن كنَّ يغزلنَ على ضوئها بالليل على أسطحة البيوت بالمدينة، وظهرت بظهورها معجزة من معجزات رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهي ما ورد في الصحيح عنه (١) -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى تظهر نار بالحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببُصرى» (٢) فكانت هي هذه النار إذ لم يظهر قبلها من أيامه -صلى الله عليه وآله وسلم-، ولا بعدها نار مثلها، وظهر لي في معنى أنها كانت تأكل الحجر ولا تأكل الشجر أن ذلك لتحريم سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- شجر المدينة، فمنعت من أكل شجرها إكرامًا له، لوجوب طاعته -صلى الله عليه وآله وسلم- على كل مخلوق. وهذه أيضًا من واضح معجزاته -صلى الله عليه وآله وسلم- (٣).

وانخرق هذا السد من تحت في سنة تسعين وست مئة لتكاثر الماء من خلفه فجرى في الوادي المذكور سنة كاملة سيلًا يملأ ما بين جانبي الوادي وسنة دون ذلك، ثم انخرق مرة أخرى في العشر الأول بعد السبع مئة، فجرى سنة كاملة أو أزيدْ، ثم انخرق في سنة أربع وثلاثين وسبع مئة، وكان ذلك بعد تواتر أمطار عظيمة في الحجاز في تلك السنة، وكثر الماء وعلا من جانبي السد، ومن دونه مما يلي جبل وعيره وتلك النواحي، فجاء


(١) البخاري ج ٦ ص ٢٦٠٥.
(٢) بصرى قرية مشهور بالشام تقع الآن في جنوب سوريا، وقد مر عليها الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- خلال مرافقته لتجارة قريش قبيل البعثة. ابن هشام ج ١ ص ٣١٠؛ ياقوت الحموي: معجم البلدان ج ١ ص ٤٤١.
(٣) جَزْم المؤلف بأن هذه النار هي النار التي أخبر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بأنها ستظهر في الحجاز قبل قيام الساعة فيه نظر، فينبغي أن نتوخي الدقة واليقين في تفسير معجزاته -صلى الله عليه وآله وسلم- وتحديد زمانها، إذ يبدو أنه لا الزمان ولا المكان هنا يطابقان ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بأنه سيكون. انظر أيضًا: العياشي: المدينة بين الماضي والحاضر ص ٥٠٤ - ٥٠٦.

<<  <   >  >>