للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأُتِي بها من بطن نخل (١)، فبناه بالحجارة المنقوشة والقصَّة، وجعل العمد منقوشة، وسقْفه ساجًا. وجعل طوله ستين ومئة ذراع، وعرضه خمسين ومئة ذراع. وجعل الأبواب ستة كما كانت. قال ابن النجار (٢): وكان عمل عثمان في أول شهر ربيع الأول سنة تسع وعشرين، وفرغ منه لهلال المحرم سنة ثلاثين، وزاد من القبلة إلى موضع الجدار اليوم، وزاد فيه من المغرب أسطوانًا بعد المربعة.

قلت: أراد الأسطوانة التي رَفع أسفلها مربعًا قدر الجلسة، وهي منتهى زيادة عمر -رضي الله عنه-، وقبالة الأسطوانة التي زادها عثمان -رضي الله عنه- في الحائط القبلي طرازٌ آخذ من العصابة السفلى إلى سقف المسجد، وهو حد زيادة عثمان. قال (٣): وزاد فيه من الشام خمسين ذراعًا، ولم يزد فيه من المشرق شيئًا. وبنى المقصورة بِلبن وجعل فيها كُوة ينظر الناس منها إلى الإمام، وكانَ يُصلي فيها، خوفًا من الذي أصاب عمر، وكانت صغيرة. وجعل في عُمد المسجد أعمدةَ الحديد فيها الرصاص.

وباشر -رضي الله عنه- العمل بنفسه وكان يصوم النهار، ويقوم الليل، وكان لا يخرج من المسجد.

قال رزين: ثم لم يُزَد في المسجد شيء، حتى كان الوليد بن عبد الملك، وكان عمر بن عبد العزيز عامله على المدينة ومكة، فبعث إلى عمر بمالٍ وقال


(١) بطن نخل: قرية كانت تقع على طريق البصرة من المدينة، وتبعد عنها قرابة ٨٠ كيلًا، وكانت مشهورة بخصوبة أرضها وكثرة مائها حتى إنه ذكر أن فيها أكثر من ثلاث مئة بئر. ولعلها القرية المعروفة اليوم بالنخيل تصغير نخل فهي ما زالت بالوصف نفسه. ولكن أستبعد أن تكون هذه لبعد شقتها ومشقة نقل طينها إلى المدينة، وهي المليئة بالأطيان الصالحة للبناء، ومن ثم يكون المراد مكانًا أقرب والله أعلم.
(٢) ابن النجار: الدرة الثمينة ص ٩٧.
(٣) قال أي ابن النجار نفسه.

<<  <   >  >>