للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكانت يثرب منازل بني حارثة بن الحارث بطنٌ من طَخْم (١) للأوس، ونقل ابن زبالة أنها كانت في قديم الزمان، وقبل نزول الأوس والخزرج أم قُرى المدينة، وبها كان معظم اليهود الغالبين على المدينة بعد العماليق، ونقل أنه كان بها ثلاث مئة صائغ من اليهود (٢)، والله أعلم. وفي بني حارثة نزل قوله تعالى في يوم الأحزاب: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} (٣)، ونزل فيهم وفي بني سلمة من الخزرج في يوم أحد: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} (٤)، حتى قال عقلاؤهم وأهل الرأي منهم: ما كرهنا نزولها لِتَولِّي الله إيانا والمنة لله تعالى، لأن قريشًا في يوم الأحزاب، وفي يوم أحد كانت منازلهم هم ومَنْ معهم مِن كنانة، وغيرهم من أسَد وغَطفان، بين منازل بني سلمة وبني حارثة برومة (٥) من وادي العقيق، موضعٌ متسعٌ. وكان الفريقان مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في مجلس الحرب، وخافوا على ذراريهم وديارهم من العدو، فدفع الله عنهم ببركة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وصدق نياتهم -رضي الله عنه- م، والوارد في فضل المدينة المشرفة أكثر مما ذكرتُ في الصحاح وغيرها.


(١) هكذا في كل النسخ وطخم الشيء مقدمته أو هو السواد في المقدمة. وربما تعني هنا فرعًا من الأوس. أو أنها تعني تخمًا أي حد أرض للأوس. أو وقع لها تصحيف عن ضخم أي بطن كبير.
(٢) يبدو أن هذا في أوج ازدهار يثرب وما بلغته من مكانة تجارية، إلّا أن هذا العدد من الصاغة كان من قبيل علو المكانة والثراء للبلدة، أما إن كان على حقيقته فهو لا يخلو من مبالغة لأنه إذا كان عدد الصاغة هكذا فكم يكون أعداد أصحاب المهن الأخرى فيها، ومساحة الموقع أصلًا على الطبيعة ضيقة، وحتى عبارة المؤلف «والله أعلم» قد توحي بهذا الشك.
(٣) سورة الأحزاب، الآية: ١٣.
(٤) سورة آل عمران، الآية: ١٢٢.
(٥) رومة ناحية بأسفل وادي العقيق في شمالي المدينة اشتهرت باسم بئر رومة وما زالت وسوف يذكرها المؤلف بالتفصيل عند ذكره للآبار التي تنسب للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.

<<  <   >  >>