للعبد به الفوز والنجاة في دنياه وأخراه، فذكر مثل الموحد والمشرك: فالموحد كمن عمل لسيده في داره وأدى لسيده ما استعمله فيه، والمشرك كمن استعمله سيده في داره فكان يعمل ويؤدي خراجه وعمله إلى غير سيده، فهكذا المشرك يعمل لغير الله تعالى في دار الله تعالى ويتقرب إلى عدو الله بنعم الله تعالى.
ومعلوم أن العبد من بني آدم لو كان مملوكه كذلك لكان أمقت المماليك عنده وكان أشد شيئاً غضباً عليه وطرداً له وإبعاداً، وهو مخلوق مثله كلاهما في نعمة غيرهما، فكيف برب العالمين الذي ما بالعبد من نعمة فمنه وحده لا شريك له، ولا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يصرف السيئات إلا هو، وهو وحده المنفرد بخلق عبده ورحمته وتدبيره ورزقه ومعافاته وقضاء حوائجه، فكيف يليق به مع هذا أن يعدل به غيره في الحب والخوف والرجاء والحلف والنذر والمعاملة، فيحب غيره كما يحبه أو أكثر، ويخاف غيره ويرجوه كما يخافه أو أكثر، وشواهد أحوالهم ـ بل وأقوالهم وأعمالهم ـ ناطقة بأنهم يحبون أنداده من الاحياء والأموات ويخافونهم ويرجونهم ويطلبون رضاءهم ويهربون من سخطهم أعظم مما يحبون الله تعالى ويخافون ويرجون ويهربون من سخطه، وهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله عز وجل، قال الله سبحانه وتعالى:{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} .
والظلم عند الله عز وجل يوم القيامة له دواوين ثلاثة: ديوان لا يغفر الله منه شيئاً، وهو الشرك به، فإن الله لا يغفر أن يشرك به.
وديوان لا يترك الله تعالى منه شيئاً، وهو ظلم العباد بعضهم بعضاً، فإن الله تعالى يستوفيه كله.
وديوان لا يعبأ الله به، وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه عز وجل، فإن هذا الديوان أخف الدواوين وأسرعها محواً، فإنه يمحي بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفرة ونحو ذلك، بخلاف ديوان الشرك فإنه لا يمحى إلا بالتوحيد، وديوان المظالم لا يمحى إلا بالخروج منها إلى أربابها واستحلالهم منها.
ولما كان الشرك أعظم الدواوين الثلاثة عند الله عز وجل حرم الجنة على أهله، فلا تدخل الجنة نفس مشركة، وإنما يدخلها أهل التوحيد فإن التوحيد هو مفتاح بابها، فمن لم يكن معه مفتاح لم يفتح له بابها، وكذلك إن أتى بمفتاح لا أسنان له لم يمكن الفتح به.