فوجد نشاطاً وراحة وروحاً، حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها، لأنها قرة عينيه ونعيم روحه وجنة قلبه ومستراحه في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها فيستريح بها لا منها.
فالمحبون يقولون: نصلي فنستريح بصلاتنا كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يا بلال أرحنا بالصلاة ولم يقل أرحنا منها، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «جعلت قرة عيني في الصلاة» فمن جعلت قرة عينه في الصلاة كيف تقر عينه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدونها، وكيف يطيق الصبر عنها؟ فصلاة هذا الحاضر بقلبه الذي قرة عينه في الصلاة هي التي تصعد ولها نور وبرهان، حتى يستقبل بها الرحمن عز وجل فتقولحفظك الله تعالى كما حفظتني، وأما صلاة المفرط المضيع لحقوقها وحدودها وخشوعها، فإنها تلف كما يلف الثوب الخلق ويضرب بها وجه صاحبها وتقول ضيعك الله كما ضيعتني، وقد روي في حديث مرفوع رواه بكر بن بشر عن سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن أبي شجرة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يرفعه أنه قال «ما من مؤمن يتم الوضوء إلى أمكانه ثم يقوم إلى الصلاة في وقتها فيؤديها لله عز وجل لم ينقص من وقتها وركوعها وسجودها ومعالمها شيئاً إلا رفعت له إلى الله عز وجل بيضاء مسفرة يستضيء بنورها ما بين الخافقين حتى ينتهي بها إلى الرحمن عز وجل، ومن قام إلى الصلاة فلم يكمل وضوءها واخرها عن وقتها واسترق ركوعها وسجودها ومعالمها رفعت عنه سوداء مظلمة ثم لا تجاوز شعر رأسه تقول: ضيعك الله كما ضيعتني، ضيعك كما ضيعتني» .
فالصلاة المقبولة والعمل المقبول أن يصلي العبد صلاة تليق بربه عز وجل.
فإذا كانت صلاة تصلح لربه تبارك وتعالى وتليق به كانت مقبولة.
[والمقبول من العمل قسمان]
(أحدهما) أن يصلي العبد ويعمل سائر الطاعات وقلبه متعلق بالله عز وجل ذاكر لله عز وجل على الدوام، فأعمال هذا العبد تعرض على الله عز وجل حتى تقف قبالته فينظر الله عز وجل إليها، فإذا نظر إليها رآها خالصة لوجهه مرضية قد صدرت عن قلب سليم مخلص محب لله عز وجل متقرب إليه أحبها ورضيها وقبلها.