ريب أنه لا يكره بالقلب لأنه لا بد لقلبه من ذكر، ولا يمكنه صرف قلبه عن ذكر من هو أحب إليه، فلو كلف القلب نسيانه لكان تكليفه بالمحال كما قال القائل:
يراد من القلب نسيانكم وتأبى الطباع على الناقل
فأما الذكر باللسان على هذه الحالة فليس مما شرع لنا ولا ندبنا إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا نقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم.
وقال عبد الله بن أبي الهذيل: إن الله تعالى ليحب أن يذكر في السوق، ويحب أن يذكر على كل حال، إلا على الخلاء.
ويكفي في هذه الحال استشعار الحياء والمراقبة والنعمة عليه في هذه الحالة وهي من أجل الذكر، فذكر كل حال بحسب ما يليق بها، واللائق بهذه الحال التقنع بثوب الحياء من الله تعالى وإجلاله وذكر نعمته عليه وإحسانه إليه في إخراج هذا العدو المؤذي له لو بقي فيه لقتله.
فالنعمة في تيسير خروجه كالنعمة في التغذي به.
وكان علي بن أبي طالب إذا خرج من الخلاء مسح بطنه وقال: يالها نعمة، لو يعلم الناس قدرها.
وكان بعض السلف يقول: الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى في منفعته وأذهب عني مضرته.
وكذلك ذكره حال الجماع ذكر هذه النعمة التي من بها عليه، وهي أجل نعم الدنيا.
فإذا ذكر نعمة الله تعالى عليه بها هاج من قلبه هائج الشكر، فالذكر رأس الشكر.
وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمعاذ «والله يا معاذ إني لأحبك، فلا تنس أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» فجمع بين الذكر والشكر كما جمع سبحانه وتعالى بينهما في قوله تعالى: {فاذكروني أذكركم، واشكروا لي ولا تكفرون} فالذكر والشكر جماع السعادة والفلاح.
[الخامسة والأربعون]
أن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين من لا يزال لسانه رطباً