فالقوة المتقدمة بمنزلة الحسنات، والمرض بمنزلة الذنوب، والصحة والعافية بمنزلة التوبة، وكما أن المريض من لا تعود إليه صحته أبداً لضعف عافيته، ومنهم من تعود صحته كما كانت لتقاوم الأسباب وتدافعها ويعود البدن إلى كماله الأول، ومنهم من يعود أصح مما كان وأقوى وأنشط لقوة أسباب العافية وقهرها وغلبتها لاسباب الضعف والمرض حتى ربما كان مرض هذا سبباً لعافيته كما قال الشاعر:
لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الأجسام بالعلل
فهكذا العبد بعد التوبة على هذه المنازل الثلاث.
والله الموفق لا إله غيره ولا رب سواه.
[دلائل تعظيم الأمر والنهي]
(فصل) وأما علامات تعظيم المناهي، فالحرص على التباعد من مظانها وأسبابها وما يدعو إليها، ومجانبة كل وسيلة تقرب منها، كمن يهرب من الأماكن التي فيها الصور التي تقع بها الفتنة خشية الافتتان بها.
وأن يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس، وأن يجانب الفضول من المباحثات خشية الوقوع في المكروه، ومجانبة من يجاهر بارتكابها ويحسنها ويدعو اليها ويتهاون بها ولا يبالي ما ركب منها، فإن مخالطة مثل هذا داعية إلى سخط الله تعالى وغضبه، ولا يخالطه إلا من سقط من قلبه تعظيم الله تعالى وحرماته.
ومن علامات تعظيم النهي أن يغضب الله عز وجل إذا انتهكت محارمه، وأن يجد في قلبه حزناً وكسرة إذا عصى الله تعالى في أرضه، ولم يضلع باقامة حدوده وأوامره، ولم يستطع هو أن يغير ذلك.
ومن علامات تعظيم الأمر والنهي أن لا يسترسل مع الرخصة إلى حد يكون صاحبه جافياً غير مستقيم على المنهج الوسط، مثال ذلك أن السنة وردت بالإبراد بالظهر في شدة الحر فالترخص الجافي أن يبرد إلى فوات الوقت أو مقاربة خروجه فيكون مترخصاً جافياً، وحكمة هذه الرخصة أن الصلاة في شدة الحر تمنع صاحبها من الخشوع والحضور ويفعل العبادة بتكره وضجر، فمن حكمة الشارع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أمرهم بتأخيرها حتى ينكسر الحر فيصلي العبد بقلب حاضر، ويحصل له مقصود الصلاة من الخشوع والاقبال على الله تعالى.
ومن هذا نهيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يصلي بحضرة الطعام أو عند مدافعة البول والغائط، لتعلق قلبه من ذلك بما يشوش عليه