يعلم منزلته عند الله تعالى فلينظر كيف منزلة الله تعالى عنده، فإن الله تعالى ينزل العمل منه حيث أنزله من نفسه» .
[الثانية والخمسون]
إن مجالس الذكر مجالس ملائكة، فليس من مجالس الدنيا لهم مجلس إلا مجلس يذكر الله تعالى فيه، كما أخرجا في الصحيحين من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن لله ملائكة فضلاً عن كتاب الناس، يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تعالى تنادوا: هلموا إلى حاجتكم.
قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا: فيسألهم ربهم تعالى ــ وهو أعلم بهم: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك.
قال فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: فيقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تحميداً وتمجيداً وأكثر لك تسبيحاً.
قال: فيقول: ما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة.
قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولن: لا والله يا رب، ما رأوها.
قال فيقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة.
فيقول: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار.
قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب، ما رأوها.
قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً، وأشد لها مخافة.
قال: يقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم.
فيقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، وإنما جاء لحاجة.
قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم» فهذا من بركتهم على نفوسهم وعلى جليسهم، فلهم نصيب من قوله {وجعلني مباركا أين ما كنت} فهكذا المؤمن مبارك أين حل، والفاجر مشؤوم أين حل.
فمجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس الغفلة مجالس الشياطين، وكل مضاف إلى شكله وأشباهه، امرئ يصير إلى ما يناسبه.
[الثالثة والخمسون]
إن الله عز وجل يباهي بالذاكرين ملائكته، كما روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى.
قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك.
قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقل عنه حديثاً مني، «وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن علينا بك.
قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك.