(والقسم الثاني) : أن يعمل العبد الأعمال على العادة والغفلة وينوي بها الطاعة والتقرب إلى الله فأركانه مشغولة بالطاعة وقلبه لاه عن ذكر الله، وكذلك سائر أعماله، فإذا رفعت أعمال هذا إلى الله عز وجل لم تقف تجاهه ولا يقع نظره عليها، ولكن توضع حيث توضع دواوين الأعمال حتى تعرض عليه يوم القيامه فتميز، فيثيبه على ما كان له منها ويرد عليه ما لم يرد وجهه به منها.
فهذا قبوله لهذا العمل إثابته عليه بمخلوق من مخلوقاته من القصور والأكل والشرب والحور العين، وإثابة الأول رضا العمل لنفسه ورضاه عن معاملة عاملة وتقريبه منه وإعلاء درجته ومنزلته، فهذا يعطيه بغير حساب، فهذا لون والأول لون.
[والناس في الصلاة على مراتب خمسة]
أحدها: مرتبة الظالم لنفسه المفرط وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها.
الثاني: من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها، لكن قد ضيع مجاهدة نفسه في الوسوسة فذهب مع الوساوس والأفكار.
الثالث: من حافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار، فهو مشغول بمجاهدة عدوه لئلا يسرق صلاته، فهو في صلاة وجهاد.
الرابع: من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها لئلا يضيع شيئاً منها، بل همه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي وإكمالها واتمامها، قد استغرق قلب شأن الصلاة وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها.
الخامس: من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه عز وجل ناظراً بقبله إليه مراقباً له ممتلئاً من محبته وعظمته، كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلت تلك الوساوس والخطوات وارتفعت حجبها بينه وبين ربه، فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل وأعظم مما بين السماء والأرض، وهذا في صلاته مشغول بربه عز وجل قرير العين به.
فالقسم الأول معاقب، والثاني محاسب، والثالث مكفر عنه، والرابع مثاب، والخامس مقرب من ربه لأن له نصيباً ممن جعلت قرة عينه في الصلاة، فمن قرت عينه بصلاته في الدنيا قرت عينه بقربه من ربه عز وجل في الآخرة، وقرت عينه أيضاً به في