للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوِيٍّ وَضَعِيفٍ وَمُفَخَّمٍ وَمُرَقَّقٍ فَيَجْذِبُ الْقَوِيُّ الضَّعِيفَ وَيَغْلِبُ الْمُفَخَّمُ الْمُرَقَّقَ، فَيَصْعُبُ عَلَى اللِّسَانِ النُّطْقُ بِذَلِكَ عَلَى حَقِّهِ إِلَّا بِالرِّيَاضَةِ الشَّدِيدَةِ حَالَةَ التَّرْكِيبِ، فَمَنْ أَحْكَمَ صِحَّةَ اللَّفْظِ حَالَةَ التَّرْكِيبِ حَصَّلَ حَقِيقَةَ التَّجْوِيدِ بِالْإِتْقَانِ وَالتَّدْرِيبِ، وَسَنُورِدُ لَكَ مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ كَافٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ قَاعِدَةٍ نَذْكُرُهَا، وَهِيَ أَنَّ أَصْلَ الْخَلَلِ الْوَارِدِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْقُرَّاءِ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ وَمَا الْتَحَقَ بِهَا هُوَ إِطْلَاقُ التَّفْخِيمَاتِ وَالتَّغْلِيظَاتِ عَلَى طَرِيقٍ أَلِفَتْهَا الطِّبَاعَاتُ، تُلُقِّيَتْ مِنَ الْعَجَمِ، وَاعْتَادَتْهَا النَّبَطُ وَاكْتَسَبَهَا بَعْضُ الْعَرَبِ، حَيْثُ لَمْ يَقِفُوا عَلَى الصَّوَابِ مِمَّنْ يُرْجَعُ إِلَى عِلْمِهِ، وَيُوثَقُ بِفَضْلِهِ وَفَهْمِهِ، وَإِذَا انْتَهَى الْحَالُ إِلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ قَانُونٍ صَحِيحٍ يُرْجَعُ إِلَيْهِ، وَمِيزَانٍ مُسْتَقِيمٍ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، نُوَضِّحُهُ مُسْتَوْفِيًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي أَبْوَابِ الْإِمَالَةِ وَالتَّرْقِيقِ وَنُشِيرُ إِلَى مُهِمِّهِ هُنَا.

فَاعْلَمْ أَنَّ الْحُرُوفَ الْمُسْتَفِلَةَ كُلَّهَا مُرَقَّقَةٌ لَا يَجُوزُ تَفْخِيمُ شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا اللَّامَ مِنَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ فَتْحَةٍ، أَوْ ضَمَّةٍ إِجْمَاعًا، أَوْ بَعْضَ حُرُوفِ الْإِطْبَاقِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَإِلَّا الرَّاءَ الْمَضْمُومَةَ، أَوِ الْمَفْتُوحَةَ مُطْلَقًا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَالسَّاكِنَةَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي بَابِهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْحُرُوفُ الْمُسْتَعْلِيَةُ كُلُّهَا مُفَخَّمَةٌ لَا يُسْتَثْنَى شَيْءٌ مِنْهَا فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ. وَأَمَّا الْأَلِفُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُوصَفُ بِتَرْقِيقٍ وَلَا تَفْخِيمٍ، بَلْ بِحَسَبِ مَا يَتَقَدَّمُهَا فَإِنَّهَا تَتْبَعُهُ تَرْقِيقًا وَتَفْخِيمًا، وَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا مِنْ إِطْلَاقِ تَرْقِيقِهَا فَإِنَّمَا يُرِيدُونَ التَّحْذِيرَ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَجَمِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي لَفْظِهَا إِلَى أَنْ يُصَيِّرُوهَا كَالْوَاوِ، أَوْ يُرِيدُونَ التَّنْبِيهَ عَلَى مَا هِيَ مُرَقَّقَةٌ فِيهِ، وَأَمَّا نَصُّ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى تَرْقِيقِهَا بَعْدَ الْحُرُوفِ الْمُفَخَّمَةِ فَهُوَ شَيْءٌ وَهِمَ فِيهِ وَلَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ مُعَاصِرِيهِ، وَرَأَيْتُ مِنْ ذَلِكَ تَأْلِيفًا لِلْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ بُصْخَانَ سَمَّاهُ: " التَّذْكِرَةُ وَالتَّبْصِرَةُ لِمَنْ نَسِيَ تَفْخِيمَ الْأَلِفِ أَوْ أَنْكَرَهُ " قَالَ فِيهِ: اعْلَمْ أَيُّهَا الْقَارِئُ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ تَفْخِيمَ الْأَلِفِ فَإِنْكَارُهُ صَادِرٌ عَنْ جَهْلِهِ، أَوْ غِلَظِ طِبَاعِهِ، أَوْ عَدَمِ