لَئِن كَانَ الْكتاب كَمَا قيل يقْرَأ من عنوانه وَدَلَائِل تباشيره تبدو من جداول بَيَانه: إِن فِي كتاب النشر فِي الْقرَاءَات الْعشْر لأصدق التباشير وأوضح الْأَدِلَّة على نباهة مُؤَلفه وعلو شَأْنه وسمو مرتبته فِي هَذَا الْفَنّ الْجَلِيل حَتَّى لقب بِحَق إِمَام المقرئين وخاتمة الْحفاظ المحقيين. فَهُوَ الإِمَام الْحجَّة الثبت الْمُحَقق المدقق شيخ الْإِسْلَام سَنَد مقرئي الْأَنَام: أَبُو الْخَيْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن يُوسُف الجرزي.
ولد رَحمَه الله بِدِمَشْق الشَّام فِي لَيْلَة السبت الْخَامِس وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة هجرية. وَنَشَأ بهَا وَأتم حفظ الْقُرْآن الْكَرِيم فِي الرَّابِعَة عشرَة من عمره. ثمَّ أَخذ الْقرَاءَات افراداً على الشَّيْخ أبي مُحَمَّد عبد الْوَهَّاب ابْن السلار. وَالشَّيْخ أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الطَّحَّان. وَالشَّيْخ أَحْمد بن رَجَب. ثمَّ جمع للسبعة على الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الْحَمَوِيّ. ثمَّ جمع الْقرَاءَات بمضمن كتب عَليّ الشَّيْخ أبي الْمَعَالِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن اللبان. ثمَّ فِي سنة ٧٦٨ هـ حج وَقَرَأَ على إِمَام الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وخطيبها أبي عبد الله مُحَمَّد بن صَالح الْخَطِيب بمضمن التَّيْسِير وَالْكَافِي.
ثمَّ رَحل فِي سنة ٧٦٩ إِلَى الديار المصرية. فَدخل الْقَاهِرَة المعزية وَجمع الْقرَاءَات للإثني عشر على الشَّيْخ أبي بكر عبد الله بن الجندي. وللسبعة بمضمن العنوان والتيسير والشاطبية على أبي عبد الله مُحَمَّد بن الصَّائِغ. وَأبي مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن الْبَغْدَادِيّ. وَلما وصل إِلَى قَوْله تَعَالَى (إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان) توفى ابْن الجندي. وَورد عَنهُ رَحمَه الله تَعَالَى أَنه استجازه فَأَجَازَهُ وَأشْهد عَلَيْهِ قبل وَفَاته. وَلما أكمل على الشَّيْخَيْنِ الْمَذْكُورين رَجَعَ إِلَى دمشق. ثمَّ رَحل ثَانِيَة إِلَى مصر وَجمع ثَانِيًا على ابْن الصَّائِغ للعشرة بمضمن الْكتب الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة والمستنير والتذكرة والإرشادين والتجريد. ثمَّ على ابْن الْبَغْدَادِيّ للأربعة عشر مَا عدا