أَخْتَارُ، وَلَا أَمْنَعُ مِنَ التَّسْمِيَةِ.
(قُلْتُ) : وَأَطْلَقَ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا أَبُو مَعْشَرٍ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي " التَّيْسِيرِ "، وَمِنْهُمْ مِنْ ذَكَرَ الْبَسْمَلَةَ وَعَدَمَهَا عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ التَّفْصِيلُ، فَيَأْتِي بِالْبَسْمَلَةِ عَمَّنْ فَصَلَ بِهَا بَيْنَ السُّورَتَيْنِ كَابْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ، وَيَتْرُكُهَا عَمَّنْ لَمْ يَفْصِلْ بِهَا كَحَمْزَةَ وَخَلَفٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ سِبْطِ الْخَيَّاطِ وَأَبِي عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيِّ بْنِ الْبَاذِشِ يُتْبِعُونَ وَسَطَ السُّورَةِ بِأَوَّلِهَا، وَقَدْ كَانَ الشَّاطِبِيُّ يَأْمُرُ بِالْبَسْمَلَةِ بَعْدَ الِاسْتِعَاذَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَقَوْلِهِ: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَنَحْوِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْبَشَاعَةِ، وَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ أَبُو الْجُودِ غِيَاثُ بْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ مَكِّيٍّ فِي غَيْرِ " التَّبْصِرَةِ ".
(قُلْتُ) : وَيَنْبَغِي قِيَاسًا أَنْ يُنْهَى عَنِ الْبَسْمَلَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ، وَقَوْلِهِ: لَعَنَهُ اللَّهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِلْبَشَاعَةِ أَيْضًا.
(السَّادِسُ) الِابْتِدَاءُ بِالْآيِ وَسَطَ بَرَاءَةَ قُلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِلنَّصِّ عَلَيْهَا، وَلَمْ أَرَ فِيهَا نَصًّا لِأَحَدٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَظَاهِرُ إِطْلَاقِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ التَّخْيِيرُ فِيهَا، وَعَلَى جَوَازِ الْبَسْمَلَةِ فِيهَا نَصَّ أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ " جَمَالُ الْقُرَّاءِ " حَيْثُ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ خِلَافٍ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَفِي نَظَائِرِهَا مِنَ الْآيِ، وَإِلَى مَنْعِهَا جَنَحَ أَبُو إِسْحَاقَ الْجَعْبَرِيُّ، فَقَالَ رَادًّا عَلَى السَّخَاوِيِّ: إِنْ كَانَ نَقْلًا فَمُسَلَّمٌ، وَإِلَّا فَرَدٌّ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَقْرِيعٌ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ وَتَصَادُمٌ لِتَعْلِيلِهِ. قُلْتُ: وَكِلَاهُمَا يُحْتَمَلُ، الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى تَرْكِ الْبَسْمَلَةِ فِي أَوْسَاطٍ غَيْرِ بَرَاءَةَ لَا إِشْكَالَ فِي تَرْكِهَا عِنْدَهُ فِي وَسَطِ بَرَاءَةَ، وَكَذَا لَا إِشْكَالَ فِي تَرْكِهَا فِيهَا عِنْدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى التَّفْضِيلِ، إِذِ الْبَسْمَلَةُ عِنْدَهُمْ فِي وَسَطِ السُّورَةِ تَبَعٌ لِأَوَّلِهَا، وَلَا تَجُوزُ الْبَسْمَلَةُ أَوَّلُهَا فَكَذَلِكَ وَسَطُهَا، وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْبَسْمَلَةِ فِي الْأَجْزَاءِ مُطْلَقًا، فَإِنِ اعْتَبَرَ بَقَاءَ أَثَرِ الْعِلَّةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا حُذِفَتِ الْبَسْمَلَةُ مِنْ أَوَّلِهَا وَهِيَ نُزُولُهَا بِالسَّيْفِ كَالشَّاطِبِيِّ وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُ لَمْ يُبَسْمِلْ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرْ بَقَاءَ أَثَرِهَا، أَوْ لَمْ يَرَهَا عِلَّةً بَسْمَلَ بِلَا نَظَرٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute