بِالسُّورَةِ لَا يَلْتَزِمُ بِالْوَصْلِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ آخِرُ السُّورَةِ عِنْدَهُ كَآخِرِ آيَةٍ، وَأَوَّلُ السُّورَةِ الْأُخْرَى كَأَوَّلِ آيَةٍ أُخْرَى، فَكَمَا لَا يَلْتَزِمُ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ وَصْلَ الْآيَاتِ بَعْضِهِنَّ بِبَعْضٍ كَذَا لَا يَلْتَزِمُ لَهُ وَصْلَ السُّورَةِ حَتْمًا، بَلْ إِنْ وَصَلَ فَحَسَنٌ وَإِنْ تَرَكَ فَحَسَنٌ.
(قُلْتُ) : حُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ حَمْزَةَ: الْقُرْآنُ عِنْدِي كَسُورَةٍ وَاحِدَةٍ. فَإِذَا قَرَأْتُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فِي أَوَّلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَجْزَأَنِي، وَلَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّ كَلَامَ حَمْزَةَ يُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الْوَصْلِ لَا الِابْتِدَاءِ؛ لِإِجْمَاعِ أَهْلِ النَّقْلِ عَلَى ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) لَا خِلَافَ فِي حَذْفِ الْبَسْمَلَةِ بَيْنَ الْأَنْفَالِ وَبَرَاءَةَ، عَنْ كُلِّ مَنْ بَسْمَلَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ. وَكَذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ بِبَرَاءَةَ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ أَهْلِ الْأَدَاءِ، وَمِمَّنْ حَكَى بِالْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ غَلْبُونَ، وَابْنُ الْقَاسِمِ بْنُ الْفَحَّامِ، وَمَكِّيٌّ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُوجَدُ نَصٌّ بِخِلَافِهِ، وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ الْبَسْمَلَةِ فِي أَوَّلِهَا. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ: إِنَّهُ الْقِيَاسُ، قَالَ: لِأَنَّ إِسْقَاطَهَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَنَّ بَرَاءَةَ نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ، أَوْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْطَعُوا بِأَنَّهَا سُورَةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا دُونَ الْأَنْفَالِ، فَإِنْ كَانَ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ فَذَاكَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ نَزَلَتْ فِيهِ، وَنَحْنُ إِنَّمَا نُسَمِّي لِلتَّبَرُّكِ، وَإِنْ كَانَ إِسْقَاطُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُقْطَعْ بِأَنَّهَا سُورَةٌ وَحْدَهَا، فَالتَّسْمِيَةُ فِي أَوَائِلِ الْأَجْزَاءِ جَائِزَةٌ. وَقَدْ عُلِمَ الْغَرَضُ بِإِسْقَاطِهَا، فَلَا مَانِعَ مِنَ التَّسْمِيَةِ.
(قُلْتُ) : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يُمْنَعُ بِظَاهِرِ النُّصُوصِ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَهْدَوِيُّ: فَأَمَّا بَرَاءَةٌ فَالْقُرَّاءُ مُجْتَمِعُونَ عَلَى تَرْكِ الْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَنْفَالِ بِالْبَسْمَلَةِ. وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْبَسْمَلَةِ فِي أَوَّلِهَا حَالَ الِابْتِدَاءِ بِهَا سِوَى مَنْ رَأَى الْبَسْمَلَةَ فِي حَالِ الِابْتِدَاءِ بِأَوْسَاطِ السُّوَرِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْتَدَأَ بِهَا مِنْ أَوَّلِ بَرَاءَةَ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهَا وَالْأَنْفَالَ سُورَةً وَاحِدَةً، وَلَا يُبْتَدَأُ بِهَا فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَ عِلَّةَ تَرْكِهَا فِي أَوَّلِهَا أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ، وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ بْنِ شَيْطَا: وَلَوْ أَنَّ قَارِئًا ابْتَدَأَ قِرَاءَتَهُ مِنْ أَوَّلِ التَّوْبَةِ فَاسْتَعَاذَ وَوَصَلَ الِاسْتِعَاذَةَ بِالتَّسْمِيَةِ مُتَبَرِّكًا بِهَا، ثُمَّ تَلَا السُّورَةَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَرَجٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute