للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَمْ تَدْخُلِ السِّينُ وَالتَّاءُ فِي فِعْلِ الْمُسْتَعِيذِ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ فَقَدْ قِيلَ لَهُ: اسْتَعِذْ، بَلْ لَا يُقَالُ إِلَّا أَعُوذُ دُونَ أَسْتَعِيذُ وَأَتَعَوَّذُ وَاسْتَعَذْتُ وَتَعَوَّذْتُ، وَذَلِكَ أَنَّ السِّينَ وَالتَّاءَ شَأْنُهُمَا مِنْهُ أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الطَّلَبِ فَوَرَدَتَا إِيذَانًا بِطَلَبِ التَّعَوُّذِ فَمَعْنَى اسْتَعَذْتُ بِاللَّهِ أَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُعِيذَكَ. فَامْتِثَالُ الْأَمْرِ هُوَ أَنْ يَقُولَ، أَعُوذُ بِاللَّهِ ; لِأَنَّ قَائِلَهُ مُتَعَوِّذٌ، أَوْ مُسْتَعِيذٌ قَدْ عَاذَ وَالْتَجَأَ وَالْقَائِلُ أَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ لَيْسَ بِعَائِذٍ، إِنَّمَا، وَهُوَ طَالِبٌ الْعِيَاذَ كَمَا تَقُولُ أَسْتَخِيرُ، أَيْ: أَطْلُبُ خِيرَتَهُ، وَأَسْتَقِيلُهُ أَيْ: أَطْلُبُ إِقَالَتَهُ وَأَسْتَغْفِرُهُ وَأَسْتَقِيلُهُ، أَيْ: أَطْلُبُ مَغْفِرَتَهُ ; فِي فِعْلِ الْأَمْرِ إِيذَانًا بِطَلَبِ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ الْمُعَاذِيَةِ، فَإِذَا قَالَ الْمَأْمُورُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ، فَقَدِ امْتَثَلَ مَا طُلِبَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ طُلِبَ مِنْهُ نَفْسُ الِاعْتِصَامِ وَالِالْتِجَاءِ وَفَرْقٌ بَيْنَ الِاعْتِصَامِ وَبَيْنَ طَلَبِ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ الْمُسْتَعِيذُ هَارِبًا مُلْتَجِأً مُعْتَصِمًا بِاللَّهِ أَتَى بِالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَى طَلَبِ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ. قَالَ: وَالْحِكْمَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا امْتَثَلَ الْمُسْتَغْفِرُ الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ لَهَا: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَنَّهُ يَطْلُبُ الْمَغْفِرَةَ الَّتِي لَا تَتَأَتَّى إِلَّا مِنْهُ بِخِلَافِ الْعِيَاذِ وَاللُّجْأِ وَالِاعْتِصَامِ فَامْتَثَلَ الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أَيْ: أَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي، انْتَهَى. وَلِلَّهِ دَرُّهُ مَا أَلْطَفَهُ وَأَحْسَنَهُ، فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، ثَنَا أَبُو رَوْقٍ، عَنِ الضِّحَاكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَا مُحَمَّدُ اسْتَعِذْ، قَالَ: أَسْتَعِيذُ بِالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ؟ قُلْتُ: مَا أَعْظَمَهُ مُسَاعِدًا لِمَنْ قَالَ بِهِ لَوْ صَحَّ فَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفِدَاءِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ كَثِيرٍ - رَحْمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ إِيرَادِهِ: وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ. قَالَ: وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِيُعْرَفَ، فَإِنَّ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفًا وَانْقِطَاعًا. قُلْتُ: وَمَعَ ضَعْفِهِ وَانْقِطَاعِهِ وَكَوْنِهِ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، فَإِنَّ الْحَافِظَ أَبَا عَمْرٍو الدَّانِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَوَاهُ عَلَى الصَّوَابِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَوْقٍ أَيْضًا عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَهُ