للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَهَذَا الَّذِي أَعْلَمُهُ وَرَدَ فِي الِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الشَّيْطَانِ فِي حَالِ الْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْدَلَ عَمَّا صَحَّ مِنْهَا حَسْبَمَا ذَكَرْنَاهُ مُبَيَّنًا، وَلَا يُعْدَلُ عَمَّا وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، فَإِنَّمَا نَحْنُ مُتَّبِعُونَ لَا مُبْتَدِعُونَ. قَالَ الْجَعْبَرِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الشَّاطِبِيِّ:

وَإِنْ تَزِدْ لِرَبِّكَ تَنْزِيهًا فَلَسْتَ مُجَهَّلًا

. هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَإِنْ أَطْلَقَهَا وَخَصَّهَا فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالرِّوَايَةِ، وَعَامَّةٌ فِي غَيْرِ التَّنْزِيهِ.

فِي حُكْمِ الْجَهْرِ بِهَا وَالْإِخْفَاءِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ

(الْأُولَى) أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ هُوَ الْجَهْرُ بِهَا عَنْ جَمِيعِ الْقُرَّاءِ، لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إِلَّا مَا جَاءَ عَنْ حَمْزَةَ وَغَيْرِهِ مِمَّا نَذْكُرُهُ وَفِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الْقِرَاءَةِ كَمَا نَذْكُرُهُ، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو فِي جَامِعِهِ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي الْجَهْرِ بِالِاسْتِعَاذَةِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الْقُرْآنِ، وَعِنْدَ ابْتِدَاءِ كُلِّ قَارِئٍ بِعَرْضٍ، أَوْ دَرْسٍ، أَوْ تَلْقِينٍ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ إِلَّا مَا جَاءَ عَنْ نَافِعٍ وَحَمْزَةَ، ثُمَّ رَوَى عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِيِّ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ اسْتِعَاذَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَيَجْهَرُونَ بِهَا أَمْ يُخْفُونَهَا؟ قَالَ: مَا كُنَّا نَجْهَرُ، وَلَا نُخْفِي، مَا كُنَّا نَسْتَعِيذُ أَلْبَتَّةَ. وَرَوَى عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ يُخْفِي الِاسْتِعَاذَةَ وَيَجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ عِنْدَ افْتِتَاحِ السُّوَرِ وَرُءُوسِ الْآيَاتِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ الْحُلْوَانِيِّ، قَالَ خَلَفٌ: كُنَّا نَقْرَأُ عَلَى سُلَيْمٍ فَنُخْفِي التَّعَوُّذَ، وَنَجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ فِي " الْحَمْدُ " خَاصَّةً، وَنُخْفِي التَّعَوُّذَ وَالْبَسْمَلَةَ فِي سَائِرِ الْقُرْآنِ نَجْهَرُ بِرُءُوسِ أَثْمِنَتِهَا، وَكَانُوا يَقْرَءُونَ عَلَى حَمْزَةَ فَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ، قَالَ الْحُلْوَانِيُّ: وَقَرَأْتُ عَلَى خَلَّادٍ؛ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ. قُلْتُ: صَحَّ إِخْفَاءُ التَّعَوُّذِ مِنْ رِوَايَةِ الْمُسَيَّبِيِّ عَنْ نَافِعٍ، وَانْفَرَدَ بِهِ الْوَلِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ نَافِعٍ، وَكَذَلِكَ الْأَهْوَازِيُّ عَنْ يُونُسَ، عَنْ وَرْشٍ، وَقَدْ وَرَدَ مِنْ طُرُقِ كِتَابِنَا عَنْ حَمْزَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا إِخْفَاؤُهُ، وَحَيْثُ قَرَأَ الْقَارِئُ مُطْلَقًا - أَيْ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا - وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَهْدَوِيُّ عَنْ حَمْزَةَ مِنْ