وَرَوَى إِظْهَارَهُ سَائِرُ الْبَغْدَادِيِّينَ سِوَى مَنْ ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ مُجَاهِدٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَانِعِ الْإِدْغَامِ، فَالْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجِلِ أَنَّ الْوَاوَ تُسَكَّنُ لِلْإِدْغَامِ فَتَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ الَّتِي هِيَ حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: آمَنُوا وَعَمِلُوا مِمَّا لَا يُدْغَمُ إِجْمَاعًا مِنْ أَجْلِ الْمَدِّ، وَرَدَّ الْمُحَقِّقُونَ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ إِدْغَامِ نَحْوِ نُودِيَ يَامُوسَى وَأَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاوِ وَالْيَاءِ مَعَ أَنَّ تَسْكِينَهَا لِلْإِدْغَامِ عَارِضٌ. وَقِيلَ: لِقِلَّةِ حُرُوفِهِ، وَرُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ، وَالصَّحِيحُ اعْتِبَارُ الْمَانِعَيْنِ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَا ضَعِيفَيْنِ، فَإِنَّ الضَّعِيفَ إِذَا اجْتَمَعَ إِلَى ضَعِيفٍ أَكْسَبَهُ قُوَّةً، وَقَدْ قِيلَ: وَضَعِيفَانِ يَغْلِبَانِ قَوِيًّا. عَلَى أَنَّ الدَّانِيَّ قَالَ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ ": وَبِالْوَجْهَيْنِ قَرَأْتُ ذَلِكَ، وَاخْتَارَ الْإِدْغَامَ لِاطِّرَادِهِ وَجَرْيِهِ عَلَى قِيَاسِ نَظَائِرِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ سُكِّنَ مَا قَبْلَ الْوَاوِ وَسَوَاءٌ كَانَ هَاءً أَوْ غَيْرَهَا فَلَا خَوْفَ فِي إِدْغَامِ الْوَاوِ فِي مِثْلِهَا، وَذَلِكَ نَحْوُ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ وَخُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ.
قُلْتُ: وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَى مَا قَبْلَ الْوَاوِ فِيهِ سَاكِنٌ وَسَوَّى فِيهِ بَيْنَ الْهَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَجْلِ مَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ مِنَ الْإِظْهَارِ فِي فَهُوَ وَلِيُّهُمُ فِي الْأَنْعَامِ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ فِي النَّحْلِ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ فِي الشُّورَى. فَلَا يُعْتَدُّ بِهَذَا الْخِلَافِ لِضَعْفِ حُجَّتِهِ وَانْفِرَادِ رِوَايَتِهِ عَنِ الْجَادَّةِ، فَإِنَّ الَّذِي ذُكِرَ فِي هُوَ الْمَضْمُومُ الْهَاءِ مَفْقُودٌ هُنَا، وَإِنْ قِيلَ بِتَوَالِي الْإِعْلَالِ فَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي نَحْوِ: فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إِدْغَامِهِ فَلَا فَرْقَ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ: قَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ: إِدْغَامُهُنَّ قِيَاسُ مَذْهَبِ أَبِي عَمْرٍو ; لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْوَاوِ مِنْهُنَّ سَاكِنٌ كَمَا هُوَ فِي خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ وَمِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ قَالَ: وَأَقْرَأَنَا ابْنُ حَبَشٍ عَنْهُ بِالْإِظْهَارِ، وَوَقَعَ فِي تَجْرِيدِ ابْنِ الْفَحَّامِ أَنَّ شَيْخَهُ عَبْدَ الْبَاقِي رَوَى فِيهِنَّ الْإِظْهَارَ وَصَوَابُهُ أَنَّ عَبْدَ الْبَاقِي يَرْوِي إِدْغَامَهُنَّ، وَأَنَّ شَيْخَهُ الْفَارِسِيَّ يَرْوِي إِظْهَارَهُنَّ فَسَبَقَ الْقَلَمُ سَهْوًا، وَالسَّهْوُ قَدْ يَكُونُ فِي الْخَطِّ، وَقَدْ يَكُونُ فِي اللَّفْظِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْحِفْظِ، وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ وَبَيْنَ الْعَفْوَ وَأْمُرْ وَبَيْنَ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ ; إِذْ لَا يَصِحُّ نَصٌّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute