جُمِعَتْ فِي كَلِمِ (رَضِّ سَنَشُدُّ حُجَّتَكَ بِذُلِّ قُثَمَ) فَكَانَ يُدْغِمُ هَذِهِ السِّتَّةَ عَشَرَ فِيمَا جَانَسَهَا، أَوْ قَارَبَهَا إِلَّا الْمِيمَ إِذَا تَقَدَّمَتِ الْيَاءَ، فَإِنَّهُ يَحْذِفُ حَرَكَتَهَا فَقَطْ، وَيُخْفِيهَا وَيُدْغِمُ مَا عَدَاهَا مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مِنَ الْمَوَانِعِ الثَّلَاثَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ مَانِعٌ اخْتُصَّ بِبَعْضِهَا، أَوْ مَانِعٌ اخْتُلِفَ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي مُبَيَّنًا.
" فَالْبَاءُ " تُدْغَمُ فِي الْمِيمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ فَقَطْ، وَذَلِكَ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ؛ مَوْضِعٌ فِي آلِ عِمْرَانَ، وَمَوْضِعَانِ فِي الْمَائِدَةِ، وَمَوْضِعٌ فِي الْعَنْكَبُوتِ، وَمَوْضِعٌ فِي الْفَتْحِ. وَإِنَّمَا اخْتُصَّتْ بِالْإِدْغَامِ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ مُوَافَقَةً لِمَا جَاوَرَهَا وَهُوَ يَرْحَمُ مَنْ وَيَغْفِرُ لِمَنْ أَمَّا قَبْلَهَا، أَوْ بَعْدَهَا فَطُرِدَ الْإِدْغَامُ لِذَلِكَ، وَمِنْ ثَمَّ أُظْهِرَ مَا عَدَا ذَلِكَ نَحْوُ: ضُرِبَ مَثَلٌ. سَنَكْتُبُ مَا. لِفَقْدِ الْمُجَاوِرِ، وَهَذَا مِمَّا لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ قَالَ الْيَزِيدِيُّ، إِنَّمَا أُدْغِمَ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ أَجْلِ كَسْرَةِ الذَّالِ وَرَدَّ الدَّانِيُّ هَذِهِ الْعِلَّةَ بِنَحْوِ وَكُذِّبَ مُوسَى وَيَضْرِبَ مَثَلًا. قِيلَ: إِنَّمَا أَرَادَ الْيَزِيدِيُّ إِذَا انْضَمَّتِ الْبَاءُ بَعْدَ كَسْرَةٍ، وَرَدَّهُ أَيْضًا الدَّانِيُّ بِإِدْغَامِهِ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ.
(قُلْتُ) : وَالْعِلَّةُ الْجَيِّدَةُ فِيهِ مَعَ صِحَّةِ النَّقْلِ وَوُجُودِ الْمُجَاوِرِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْآدَمِيَّ رَوَى عَنِ ابْنِ سَعْدَانَ، عَنِ الْيَزِيدِيِّ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو أَنَّهُ أَدْغَمَ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ فِي الْمَائِدَةِ، وَالْبَاءُ فِي ذَلِكَ مَفْتُوحَةٌ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا مِنْ أَجْلِ مُجَاوَرَةِ بَعْدِ ظُلْمِهِ الْمُدْغَمَةِ فِي مَذْهَبِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ مَعَ إِدْغَامِهِ حَرْفَ الْمَائِدَةِ أَظْهَرَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ فِي هُودٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
" وَالتَّاءُ " تُدْغَمُ فِي عَشَرَةِ أَحْرُفٍ، وَهِيَ: الثَّاءُ، وَالْجِيمُ، وَالذَّالُ، وَالزَّايُ، وَالسِّينُ، وَالصَّادُ، وَالضَّادُ، وَالطَّاءُ، وَالظَّاءُ. فَالثَّاءُ نَحْوُ بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ وَجُمْلَتُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفًا، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ: فِي الزَّكَاةَ ثُمَّ وَالتَّوْرَاةَ ثُمَّ لِمَانِعِ كَوْنِهِمَا مِنَ الْمَفْتُوحِ بَعْدَ سَاكِنٍ، فَرَوَى إِدْغَامَهُمَا لِلتَّقَارُبِ ابْنُ حَبَشٍ مِنْ طَرِيقِ الدُّورِيِّ وَالسُّوسِيِّ وَبِذَلِكَ، قَرَأَ الدَّانِيُّ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ وَهِيَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ بْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ رُومِيٍّ عَنِ الْيَزِيدِيِّ، وَرِوَايَةُ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنِ الدُّورِيِّ وَمَدْيَنَ وَالْآدَمِيِّ، عَنْ أَصْحَابِهِمَا وَرِوَايَةُ الشَّذَائِيِّ عَنِ الشُّونِيزِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute