هِيَ السَّبْعَةُ أَمْ بَعْضُهَا؟
(الْعَاشِرُ) مَا حَقِيقَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَفَائِدَتُهُ؟
فَأَمَّا سَبَبُ وُرُودِهِ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَلِلتَّخْفِيفِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ وَإِرَادَةِ الْيُسْرِ بِهَا، وَالتَّهْوِينِ عَلَيْهَا شَرَفًا لَهَا وَتَوْسِعَةً وَرَحْمَةً وَخُصُوصِيَّةً لِفَضْلِهَا، وَإِجَابَةً لِقَصْدِ نَبِيِّهَا أَفْضَلِ الْخَلْقِ وَحَبِيبِ الْحَقِّ حَيْثُ أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِأَ أُمَّتَكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ فَقَالَ: أَسْأَلُ اللَّهَ مُعَافَاتَهُ وَمَعُونَتَهُ وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ وَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُ الْمَسْأَلَةَ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا: إِنَّ رَبِّي أَرْسَلَ إِلَيَّ أَنِ اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي، وَلَمْ يَزَلْ يُرْدِدُ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، وَكَمَا ثَبَتَ صَحِيحًا: إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَإِنَّ الْكِتَابَ قَبْلَهُ كَانَ يَنْزِلُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - كَانُوا يُبْعَثُونَ إِلَى قَوْمِهِمُ الْخَاصِّينَ بِهِمْ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ أَحْمَرِهَا وَأَسْوَدِهَا عَرَبِيِّهَا وَعَجَمِيِّهَا، وَكَانَتِ الْعَرَبُ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهُمْ لُغَاتُهُمْ مُخْتَلِفَةً وَأَلْسِنَتُهُمْ شَتَّى وَيَعْسُرُ عَلَى أَحَدِهِمُ الِانْتِقَالُ مِنْ لُغَتِهِ إِلَى غَيْرِهَا، أَوْ مِنْ حَرْفٍ إِلَى آخَرَ، بَلْ قَدْ يَكُونُ بَعْضُهُمْ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا بِالتَّعْلِيمِ وَالْعِلَاجِ، لَا سِيَّمَا الشَّيْخُ وَالْمَرْأَةُ، وَمَنْ لَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَوْ كُلِّفُوا الْعُدُولَ عَنْ لُغَتِهِمْ وَالِانْتِقَالَ عَنْ أَلْسِنَتِهِمْ لَكَانَ مِنَ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُسْتَطَاعُ، وَمَا عَسَى أَنْ يَتَكَلَّفَ الْمُتَكَلِّفُ وَتَأْبَى الطِّبَاعُ ; وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِلُغَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْعَرَبِيِّ عَلَى أَقْوَالٍ، ثَالِثُهَا إِنْ عَجَزَ عَنِ الْعَرَبِيِّ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ التَّرْجِيحِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعِهِ.
(قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُتَيْبَةَ) فِي كِتَابِ الْمُشْكِلِ: فَكَانَ مِنْ تَيْسِيرِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ أَمَرَ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُقْرِئَ كُلَّ أُمَّةٍ بِلُغَتِهِمْ وَمَا جَرَتْ عَلَيْهِ عَادَتُهُمْ فَالْهُذَلِيُّ يَقْرَأُ (عَتَّى حِينَ) يُرِيدُ (حَتَّى) هَكَذَا يَلْفِظُ بِهَا وَيَسْتَعْمِلُهَا، وَالْأَسَدِيُّ يَقْرَأُ (تِعْلَمُونَ وَتِعْلَمُ وَتِسْوَدُّ وَأَلَمْ إِعْهَدْ إِلَيْكُمْ) ، وَالتَّمِيمِيُّ يَهْمِزُ وَالْقُرَشِيُّ لَا يَهْمِزُ، وَالْآخَرُ يَقْرَأُ قِيلَ لَهُمْ، وَغِيضَ الْمَاءُ بِإِشْمَامِ الضَّمِّ مَعَ الْكَسْرِ، وَبِضَاعَتُنَا رُدَّتْ بِإِشْمَامِ الْكَسْرِ مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute