للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا. نَعَمْ، يَمْتَنِعُ الْإِدْغَامُ الصَّحِيحُ مَعَ الرَّوْمِ دُونَ الْإِشْمَامِ، إِذْ هُوَ هُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الْإِخْفَاءِ وَالنُّطْقِ بِبَعْضِ الْحَرَكَةِ، فَيَكُونُ مَذْهَبًا آخَرَ غَيْرَ الْإِدْغَامِ، وَغَيْرَ الْإِظْهَارِ كَمَا هُوَ فِي تَأْمَنَّا فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا أُجْرِيَ الْحَرْفُ السَّاكِنُ لِلْإِدْغَامِ مَجْرَى الْمُسَكَّنِ لِلْوَقْفِ فِي الرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ وَالْمَدِّ وَضِدِّهِ فَهَلَّا أُجْرِيَ فِيهِ تَرْكُ الرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ وَيَكُونُ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْإِدْغَامِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْوَقْفِ؟

(قُلْتُ) : وَمَنْ يَمْنَعُ ذَلِكَ وَهُوَ الْأَصْلُ الْمَقْرُوءُ بِهِ وَالْمَأْخُوذُ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْأَدَاءِ مِنْ كُلِّ مَا نَعْلَمُهُ مِنَ الْأَمْصَارِ وَأَهْلِ التَّحْقِيقِ مِنْ أَئِمَّةِ الْأَدَاءِ بَيْنَ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا هِيَ رِوَايَةُ ابْنِ جَرِيرٍ، عَنِ السُّوسِيِّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْقَصَّاعِ، وَعَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ، عَنْ شُجَاعٍ وَغَيْرِهِ، وَبَيْنَ مَنْ ذَكَرَهُ مَعَ الرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ كَالْأُسْتَاذِ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ الْبَاذِشِ، وَمَنْ تَبِعَهُ وَنَحَا نَحْوَهُ، وَبَيْنَ مَنْ أَجْرَاهُ عَلَى أَصْلِ الْإِدْغَامِ وَلَمْ يُعَوِّلْ عَلَى الرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ وَلَا ذَكَرَهُمَا أَلْبَتَّةَ: كَأَبِي الْقَاسِمِ الْهُذَلِيِّ وَالْحَافِظِ أَبِي الْعَلَاءِ، وَكَثِيرٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَبَيْنَ مَنْ ذَكَرَهُمَا نَصًّا، وَلَمْ يَمْتَنِعْ غَيْرُهُمَا كَمَا فَعَلَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْجُمْهُورِ، مَعَ أَنَّ الَّذِي وَصَلَ إِلَيْنَا عَنْهُمْ أَدَاءً هُوَ الْأَخْذُ بَالْأَصْلِ، لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَحَدٍ مِمَّنْ أَخَذْنَا عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ خِلَافًا فِي جَوَازِ ذَلِكَ، وَلَمْ يُعَوِّلْ مِنْهُمْ عَلَى الرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ إِلَّا حَاذِقٌ قَصَدَ الْبَيَانَ وَالتَّعْلِيمَ، وَعَلَى تَرْكِ الرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ سَائِرُ رُوَاةِ الْإِدْغَامِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَهُوَ الَّذِي لَا يُوجَدُ نَصٌّ عَنْهُمْ بِخِلَافِهِ، ثُمَّ إِنَّ الْآخِذِينَ بِالْإِشَارَةِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو أَجْمَعُوا عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْمِيمِ عِنْدَ مِثْلِهَا وَعِنْدَ الْبَاءِ، وَعَلَى اسْتِثْنَاءِ مِثْلِهَا وَعِنْدَ الْمِيمِ. قَالُوا: لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَتَعَذَّرُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ انْطِبَاقِ الشَّفَتَيْنِ.

(قُلْتُ) : وَهَذَا إِنَّمَا يَتَّجِهُ إِذَا قِيلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِشَارَةِ الْإِشْمَامُ، إِذَا تَعَذَّرَ الْإِشَارَةُ بِالشَّفَةِ وَالْبَاءُ وَالْمِيمُ مِنْ حُرُوفِ الشَّفَةِ، وَالْإِشَارَةُ غَيْرُ النُّطْقِ بِالْحَرْفِ، فَيَتَعَذَّرُ فِعْلُهُمَا مَعًا فِي الْإِدْغَامِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ وَصْلٌ، وَلَا يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ ; لِأَنَّ الْإِشْمَامَ فِيهِ ضَمُّ الشَّفَتَيْنِ بَعْدَ سُكُونِ الْحَرْفِ، وَلَا يَقَعَانِ مَعًا، وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِثْنَاءِ الْفَاءِ فِي الْفَاءِ فَاسْتَثْنَاهَا