أَيْضًا فِي " التَّبْصِرَةِ "، وَالْمُرَادُ بِالْمَدِّ عِنْدَ مَنْ رَوَاهُ مِنْ هَؤُلَاءِ هُوَ التَّوَسُّطُ، وَبِهِ قَرَأْتُ مِنْ طَرِيقِ مَنْ رَوَى الْمَدَّ، وَلَمْ يَرَوِهِ عَنْهُ إِلَّا مَنْ رَوَى السَّكْتَ فِي غَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا وَقَعَ الْهَمْزُ بِعَدَدِ حَرْفِ اللِّينِ مُنْفَصِلًا، فَأَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الزِّيَادَةِ نَحْوُ (خَلَوْا إِلَى، وَابْنَيْ آدَمَ) وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَا هَمْزَ بَعْدُهُ نَحْوُ (عَيْنًا، وَهَوْنًا) لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ لِمَا سَنَذْكُرُهُ إِلَّا مَا جَاءَ مِنْ نَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزِ فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا السُّكُونُ فَهُوَ عَلَى أَقْسَامِ الْمَدِّ أَيْضًا، لَازِمٌ وَعَارِضٌ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُشَدَّدٌ وَغَيْرُ مُشَدَّدٍ. فَاللَّازِمُ غَيْرُ الْمُشَدَّدِ حَرْفٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ (ع) مِنْ فَاتِحَةِ مَرْيَمَ وَالشُّورَى، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْأَدَاءِ فِي إِشْبَاعِهَا فِي تَوَسُّطِهَا، وَفِي قَصْرِهَا لِكُلٍّ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَاهَا مَجْرَى حَرْفِ الْمَدِّ، فَأَشْبَعَ مَدَّهَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ وَأَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ الْأَنْطَاكِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْأُذْفُوِيِّ، وَاخْتِيَارُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَكِّيٍّ وَأَبِي الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيِّ، وَحَكَاهُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ بَعْضِ مَنْ ذَكَرْنَا، وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَنْ رَوَى عَنْ وَرْشٍ الْمَدَّ فِي (شَيْءٍ، وَالسُّوءَ) وَشِبْهِهِمَا، ذَكَرَهُ فِي " الْهِدَايَةِ "، عَنْ وَرْشٍ وَحْدَهُ - يَعْنِي مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ، وَكَذَا كَانَ يَأْخُذُ ابْنُ سُفْيَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ بِالتَّوَسُّطِ نَظَرًا لِفَتْحِ مَا قَبْلُ، وَرِعَايَةً لِلْجَمْعِ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي الطَّيِّبِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ غَلْبُونَ، وَابْنِهِ أَبِي الْحَسَنِ طَاهِرِ بْنِ غَلْبُونَ وَأَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَنْطَاكِيِّ وَأَبِي الطَّاهِرِ صَاحِبِ " الْعُنْوَانِ "، وَأَبِي الْفَتْحِ بْنِ شَيْطَا وَأَبِي عَلِيٍّ صَاحِبِ " الرَّوْضَةِ "، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قِيَاسُ مَنْ رَوَى عَنْ وَرْشٍ التَّوَسُّطَ فِي (شَيْءٍ) وَبَابِهِ، وَهُوَ الْأَقْيَسُ لِغَيْرِهِ وَالْأَظْهَرُ، وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي " جَامِعِ الْبَيَانِ "، وَ " حِرْزِ الْأَمَانِيِّ "، وَ " التَّبْصِرَةِ "، وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي كِفَايَةِ أَبِي الْعِزِّ الْقَلَانِسِيِّ عَنِ الْجَمِيعِ، وَفِي " الْكَافِي " عَنْ وَرْشٍ وَحْدَهُ بِخِلَافٍ، وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ مُخْتَارَانِ لِجَمِيعِ الْقُرَّاءِ عِنْدَ الْمِصْرِيِّينَ، وَالْمَغَارِبَةِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ، وَأَخَذَ بِطَرِيقِهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَاهَا مَجْرَى الْحُرُوفِ الصَّحِيحَةِ فَلَمْ يَزِدْ فِي تَمْكِينِهَا عَلَى مَا فِيهَا، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي طَاهِرِ بْنِ سَوَّارٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute