للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَهْلِ الْحِجَازِ، وَكَذَلِكَ عَاصِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْشَى، عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِنْ حَيْثُ إِنَّ رِوَايَتَهُ تَرْجِعُ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَا هَمَزَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ وَلَا الْخُلَفَاءُ، وَإِنَّمَا الْهَمْزُ بِدْعَةٌ ابْتَدَعُوهَا مَنْ بَعْدَهُمْ. فَقَالَ أَبُو شَامَةَ الْحَافِظُ: هُوَ حَدِيثٌ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ؛ لِضَعْفِ إِسْنَادِهِ، فَإِنَّ مُوسَى بْنَ عُبَيْدَةَ هَذَا هُوَ الزَّيْدِيُّ، وَهُوَ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ.

(قُلْتُ) : قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ كَانَتْ لُغَتُهُ تَخْفِيفَ الْهَمْزِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْطِقُ بِالْهَمْزِ إِلَّا فِي الِابْتِدَاءِ، وَالْقَصْدُ أَنَّ تَخْفِيفَ الْهَمْزِ لَيْسَ بِمُنْكَرٍ وَلَا غَرِيبٍ، فَمَا أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ إِلَّا وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ تَخْفِيفُ الْهَمْزِ، إِمَّا عُمُومًا وَإِمَّا خُصُوصًا، كَمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَقَدْ أَفْرَدَ لَهُ عُلَمَاءُ الْعَرَبِيَّةِ أَنْوَاعًا تَخُصُّهُ، وَقَسَّمُوا تَخْفِيفَهُ إِلَى وَاجِبٍ وَجَائِزٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ أَوْ غَالِبُهُ وَرَدَتْ بِهِ الْقِرَاءَةُ، وَصَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ، إِذْ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَصِحَّ فِي الْقِرَاءَةِ مَا لَا يَسُوغُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، بَلْ قَدْ يَسُوغُ فِي الْعَرَبِيَّةِ مَا لَا يَصِحُّ فِي الْقِرَاءَةِ ; لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، يَأْخُذُهَا الْآخِرُ عَنِ الْأَوَّلِ، وَمِمَّا صَحَّ فِي الْقِرَاءَةِ وَشَاعَ فِي الْعَرَبِيَّةِ الْوَقْفُ بِتَخْفِيفِ الْهَمْزِ وَإِنْ كَانَ يُحَقَّقُ فِي الْوَصْلِ ; لِأَنَّ الْوَقْفَ مَحَلُّ اسْتِرَاحَةِ الْقَارِئِ وَالْمُتَكَلِّمِ ; وَلِذَلِكَ حُذِفَتْ فِيهِ الْحَرَكَاتُ وَالتَّنْوِينُ، وَأُبْدِلَ فِيهِ تَنْوِينُ الْمَنْصُوبَاتِ، وَجَازَ فِيهِ الرَّوْمُ وَالْإِشْمَامُ وَالنَّقْلُ وَالتَّضْعِيفُ، فَكَانَ تَخْفِيفُ الْهَمْزِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَحَقَّ وَأَحْرَى. قَالَ ابْنُ مِهْرَانَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا مَذْهَبٌ مَشْهُورٌ وَلُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ، يُحْذَفُ الْهَمْزُ فِي السَّكْتِ - يَعْنِي الْوَقْفَ - كَمَا يُحْذَفُ الْإِعْرَابُ فَرْقًا بَيْنَ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ. قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبٌ حَسَنٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لُغَةُ أَكْثَرِ الْعَرَبِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْجَزَالَةِ وَالْفَصَاحَةِ تَرْكُ الْهَمْزَةِ السَّاكِنَةِ فِي الدَّرْجِ وَالْمُتَحَرِّكَةِ عِنْدَ السَّكْتِ.

(قُلْتُ) : وَتَخْفِيفُ الْهَمْزِ فِي الْوَقْفِ مَشْهُورٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ، أَفْرَدُوا لَهُ بَابًا وَأَحْكَامًا، وَاخْتَصَّ بَعْضُهُمْ فِيهِ بِمَذَاهِبَ عُرِفَتْ بِهِمْ وَنُسِبَتْ إِلَيْهِمْ كَمَا نُشِيرُ إِلَيْهِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.