وَالْأَرْضِ ايتِنَا) وَفَتْحٌ نَحْوُ (الْهُدَى ايتِنَا، وَقَالَ ايتُونِي) فَهَذِهِ أَنْوَاعُ الْهَمْزِ السَّاكِنِ، وَتَخْفِيفُهُ أَنْ يُبْدَلَ بِحَرَكَةِ مَا قَبْلَهُ، إِنْ كَانَ قَبْلَهُ ضَمٌّ أُبْدِلَ وَاوًا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ كَسْرٌ أُبْدِلَ يَاءً، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَتْحٌ أُبْدِلُ أَلِفًا، وَكَذَلِكَ يَقِفُ حَمْزَةُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا شَذَّ فِيهِ ابْنُ سُفْيَانَ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْمَغَارِبَةِ كَالْمَهْدَوِيِّ، وَابْنِ شُرَيْحٍ، وَابْنِ الْبَاذِشِ مِنْ تَحْقِيقِ الْمُتَوَسِّطِ بِكَلِمَةٍ لِانْفِصَالِهِ وَإِجْرَاءِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُتَوَسِّطِ بِحَرْفٍ لِاتِّصَالِهِ، كَأَنَّهُمْ أَجْرَوْهُ مَجْرَى الْمُبْتَدَأِ، وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُمْ وَخُرُوجٌ عَنِ الصَّوَابِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْهَمَزَاتِ وَإِنْ كُنَّ أَوَائِلَ الْكَلِمَاتِ فَإِنَّهُنَّ غَيْرُ مُبْتَدَآتٍ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يُمْكِنُ ثُبُوتُهُنَّ سَوَاكِنَ إِلَّا مُتَّصِلَاتٍ بِمَا قَبْلَهُنَّ ; فَلِهَذَا حُكِمَ لَهُنَّ بِكَوْنِهِنَّ مُتَوَسِّطَاتٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْهَمْزَةَ فِي (فَأْوُوا، وَأْمُرْ، وَقَالَ ايتُونِي) كَالدَّالِّ فِي (فَادْعُ) وَالسِّينِ فِي (فَاسْتَقِمْ) وَالرَّاءِ فِي (قَالَ ارْجِعْ) فَكَمَا أَنَّهُ لَا يُقَالُ: إِنَّ الدَّالَ وَالسِّينَ وَالرَّاءَ فِي ذَلِكَ مُبْتَدَآتٌ وَلَا جَارِيَاتٌ مَجْرَى الْمُبْتَدَآتِ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْهَمَزَاتُ، وَإِنْ وَقَعْنَ فَاءً مِنَ الْفِعْلِ، إِذْ لَيْسَ كُلُّ فَاءٍ تَكُونُ مُبْتَدَأَةً، أَوْ جَارِيَةً مَجْرَى الْمُبْتَدَأِ، وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ كَانَ مَذْهَبُهُ تَخْفِيفَ الْهَمْزِ السَّاكِنِ الْمُتَوَسِّطِ غَيْرَ حَمْزَةَ كَأَبِي عَمْرٍو، وَأَبِي جَعْفَرٍ، وَوَرْشٍ فَإِنَّهُمْ خَفَّفُوا ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ غَيْرِ خُلْفٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، بَلْ أَجْرَوْهُ مَجْرَى يُؤْتَى وَيُؤْمِنُ وَيَأْلَمُونَ، فَأَبْدَلُوهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ وَاضِحٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْعَجَبُ أَنَّ ابْنَ الْبَاذِشِ نَسَبَ تَحْقِيقَ هَذَا الْقِسْمِ لِأَبِي الْحَسَنِ بْنِ غَلْبُونَ وَأَبِيهِ وَابْنِ سَهْلٍ، وَالَّذِي رَأَيْتُهُ نَصًّا فِي " التَّذْكِرَةِ "، هُوَ الْإِبْدَالُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَاخْتَلَفَ) أَئِمَّتُنَا فِي تَغْيِيرِ حَرَكَةِ الْهَاءِ مَعَ إِبْدَالِ الْهَمْزَةِ يَاءً قَبْلَهَا فِي قَوْلِهِ: (أَنْبِئْهُمْ) فِي الْبَقَرَةِ وَ (نَبِّئْهُمْ) فِي الْحِجْرِ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَرْوِي كَسْرَهَا لِأَجْلِ الْيَاءِ كَمَا كُسِرَ لِأَجْلِهَا فِي نَحْوِ (فِيهِمْ، وَيُؤْتِيهِمْ) فَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ، وَأَبِي الطِّيبِ ابْنِ غَلْبُونَ، وَابْنِهِ أَبِي الْحَسَنِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ. وَكَانَ آخَرُونَ يَقْرَؤُنَهَا عَلَى ضَمَّتِهَا ; لِأَنَّ الْيَاءَ عَارِضَةٌ، أَوْ لَا تُوجَدُ إِلَّا فِي التَّخْفِيفِ فَلَمْ يَعْتَدُّوا بِهَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنُ مِهْرَانَ، وَمَكِّيٌّ، وَالْمَهْدَوِيِّ، وَابْنُ سُفْيَانَ، وَالْجُمْهُورُ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ غَلْبُونَ: كِلَا الْوَجْهَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute