الْقُلُوبِ بِهَا، ثُمَّ قَالَ: وَعِلَّةُ هَذِهِ الْحُرُوفِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْحُرُوفِ الْمَرْسُومَةِ فِي الْمُصْحَفِ عَلَى خِلَافِ مَا جَرَى بِهِ رَسْمُ الْكِتَابِ مِنَ الْهِجَاءِ - الِانْتِقَالُ مِنْ وَجْهٍ مَعْرُوفٍ مُسْتَفِيضٍ إِلَى وَجْهٍ آخَرَ مِثْلِهِ فِي الْجَوَازِ وَالِاسْتِعْمَالِ، وَإِنْ كَانَ الْمُنْتَقَلُ عَنْهُ أَكْثَرَ اسْتِعْمَالًا. انْتَهَى. وَالْأَثَرُ فَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ بِأَلْفَاظٍ مُضْطَرِبَةٍ مُخْتَلِفَةٍ وَكُلُّهَا مُنْقَطِعَةٌ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا، وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ ذَلِكَ فِي مُصْحَفٍ جُعِلَ لِلنَّاسِ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ، ثُمَّ يَتْرُكُهُ لِتُقِيمَهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ حَتَّى قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَوْ وُلِّيتُ مِنَ الْمَصَاحِفِ مَا وَلِيَ عُثْمَانُ لَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ. وَأَيْضًا فَإِنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَأْمُرْ بِكِتَابَةِ مُصْحَفٍ وَاحِدٍ، إِنَّمَا كُتِبَ بِأَمْرِهِ عِدَّةُ مَصَاحِفَ، وَوَجَّهَ كُلًّا مِنْهَا إِلَى مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَاذَا يَقُولُ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ فِيهَا؟ أَيَقُولُونَ: إِنَّهُ رَأَى اللَّحْنَ فِي جَمِيعِهَا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَتَرَكَهُ لِتُقِيمَهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهَا أَمْ رَآهُ فِي بَعْضِهَا؟ فَإِنْ قَالُوا فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، فَقَدِ اعْتَرَفُوا بِصِحَّةِ الْبَعْضِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّ اللَّحْنَ كَانَ فِي مُصْحَفٍ دُونَ مُصْحَفٍ، وَلَمْ تَأْتِ الْمَصَاحِفُ مُخْتَلِفَةً إِلَّا فِيمَا هُوَ مِنْ وُجُوهِ الْقِرَاءَاتِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَحْنٍ، وَإِنْ قَالُوا: رَآهُ فِي جَمِيعِهَا لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُنَاقِضًا لِقَصْدِهِ فِي نَصْبِ إِمَامٍ يُقْتَدَى بِهِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَ الَّذِينَ تَوَلَّوْا جَمْعَهُ وَكِتَابَتَهُ لَمْ يُقِيمُوا ذَلِكَ وَهُمْ سَادَاتُ الْأُمَّةِ وَعُلَمَاؤُهَا، فَكَيْفَ يُقِيمُهُ غَيْرُهُمْ.
وَإِنَّمَا قَصْدُنَا اسْتِيعَابُ مَا رُسِمَ فِي ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْهَمْزِ لِأَنَّا لَمَّا أَتَيْنَا عَلَى تَحْقِيقِهِ عَلَى مَذَاهِبِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ مِنْهُ مَا صَحَّ نَقْلًا وَمَا لَا يَصِحُّ تَعَيَّنَ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى رَسْمِ الْهَمْزِ لِنَذْكُرَ مَا يَصِحُّ أَيْضًا مِمَّا لَا يَصِحُّ. قَالَ الَّذِينَ أَثْبَتُوا الْوَقْفَ بِالتَّخْفِيفِ الرَّسْمِيِّ: اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ اخْتِلَافًا شَدِيدًا، فَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِمَا وَافَقَ التَّخْفِيفَ الْقِيَاسِيَّ وَلَوْ بِوَجْهٍ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ وَاصِلٍ وَأَبُو الْفَتْحِ فَارِسُ بْنُ أَحْمَدَ، وَصَاحِبُهُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، وَابْنُ شُرَيْحٍ، وَمَكِّيٌّ وَالشَّاطِبِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute