عَلَيْهِ مَجَازٌ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ فَقَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ ذَلِكَ إِخْفَاءٌ لَا إِدْغَامٌ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ لَهُ إِدْغَامٌ مَجَازًا. قَالَ: وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ إِخْفَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُبْقِي الْغُنَّةَ وَيَمْنَعُ تَمْحِيضَ الْإِدْغَامِ إِلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَشْدِيدٍ يَسِيرٍ فِيهِمَا. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ الْأَكَابِرِ قَالُوا: الْإِخْفَاءُ مَا بَقِيَتْ مَعَهُ الْغُنَّةُ (قُلْتُ) : وَالصَّحِيحُ مِنْ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ إِدْغَامٌ نَاقِصٌ مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْغُنَّةِ الْمَوْجُودَةِ مَعَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ صَوْتِ الْإِطْبَاقِ الْمَوْجُودِ مَعَ الْإِدْغَامِ فِي أَحَطتُ ; وَبَسَطْتَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إِدْغَامٌ وُجُودُ التَّشْدِيدِ فِيهِ إِذِ التَّشْدِيدُ مُمْتَنِعٌ مَعَ الْإِخْفَاءِ. قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو: فَمَنْ أَبْقَى غُنَّةَ النُّونِ وَالتَّنْوِينِ مَعَ الْإِدْغَامِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِدْغَامًا صَحِيحًا فِي مَذْهَبِهِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ بَابِ الْإِدْغَامِ الصَّحِيحِ أَنْ لَا يَبْقَى فِيهِ مِنَ الْحَرْفِ الْمُدْغَمِ أَثَرٌ إِذْ كَانَ لَفْظُهُ يَنْقَلِبُ إِلَى لَفْظِ الْمُدْغَمِ فِيهِ فَيَصِيرُ مَخْرَجُهُ مِنْ مَخْرَجِهِ بَلْ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ كَالْإِخْفَاءِ الَّذِي يَمْتَنِعُ فِيهِ الْحَرْفُ مِنَ الْقَلْبِ لِظُهُورِ صَوْتِ الْمُدْغَمِ وَهُوَ الْغُنَّةُ. أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَدْغَمَ النُّونَ وَالتَّنْوِينَ وَلَمْ يُبْقِ غُنَّتَهُمَا قَلَبَهُمَا حَرْفًا خَالِصًا مِنْ جِنْسِ مَا يُدْغَمَانِ فِيهِ؟ فَعُدِمَتِ الْغُنَّةُ بِذَلِكَ رَأْسًا فِي مَذْهَبِهِ ; إِذْ غَيْرُ مُمْكِنٍ أَنْ تَكُونَ مُنْفَرِدَةً فِي غَيْرِ حَرْفٍ، أَوْ مُخَالِطَةً لِحَرْفٍ لَا غُنَّةَ فِيهِ لِأَنَّهَا مِمَّا تَخْتَصُّ بِهِ النُّونُ وَالْمِيمُ لَا غَيْرَ.
(الثَّالِثُ) : أَطْلَقَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْغُنَّةِ فِي اللَّامِ وَعَمَّمَ كُلَّ مَوْضِعٍ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إِذَا كَانَ مُنْفَصِلًا رَسْمًا نَحْوَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا، أَنْ لَا يَقُولُوا وَمَا كَانَ مِثْلُهُ مِمَّا ثَبَتَتِ النُّونُ فِيهِ، أَمَّا إِذَا كَانَ مُنْفَصِلًا رَسْمًا نَحْوَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ. فِي هُودٍ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ فِي الْكَهْفِ. وَنَحْوَهُ مِمَّا حُذِفَتْ مِنْهُ النُّونُ فَإِنَّهُ لَا غُنَّةَ فِيهِ لِمُخَالَفَةِ الرَّسْمِ فِي ذَلِكَ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْحَافِظِ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ، قَالَ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ: وَاخْتَارَ فِي مَذْهَبِ مَنْ يُبْقِي الْغُنَّةَ مَعَ الْإِدْغَامِ عِنْدَ اللَّامِ أَلَّا يُبْقِيَهَا إِذَا عُدِمَ رَسْمُ النُّونِ فِي الْخَطِّ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى مُخَالَفَتِهِ لِلَفْظِهِ بِنُونٍ لَيْسَتْ فِي الْكِتَابِ. قَالَ: وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فِي هُودٍ، وَفِي قَوْلِهِ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute