الثَّانِيَةِ مَجَازًا.
وَأَمَّا وَجْهُ مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا عَلَى التَّجْهِيلِ فَهُوَ أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا، وَفِي التَّسْمِيَةِ يَعُودُ إِلَى الْخَاسِرُونَ. وَأَمَّا وَجْهُ ضَمِّ تَاءِ (عَلِمْتُ) ، فَإِنَّهُ أَسْنَدَ الْعِلْمَ إِلَى مُوسَى حَدِيثًا مِنْهُ لِفِرْعَوْنَ حَيْثُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ، فَقَالَ مُوسَى عَلَى نَفْسِهِ: (لَقَدْ عَلِمْتُ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ) ، فَأَخْبَرَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ نَفْسِهِ بِالْعِلْمِ بِذَلِكَ، أَيْ أَنَّ الْعَالِمَ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ، وَقِرَاءَةُ فَتْحِ التَّاءِ أَنَّهُ أَسْنَدَ هَذَا الْعِلْمَ لِفِرْعَوْنَ مُخَاطَبَةً مِنْ مُوسَى لَهُ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيعِ لِشِدَّةِ مُعَانَدَتِهِ لِلْحَقِّ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَكَذَلِكَ وَجْهُ قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ يُطْعِمُ بِالتَّسْمِيَةِ، وَلَا يُطْعَمُ عَلَى التَّجْهِيلِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي (وَهُوَ) يَعُودُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ: وَاللَّهُ تَعَالَى يَرْزُقُ الْخَلْقَ وَلَا يَرْزُقُهُ أَحَدٌ، وَالضَّمِيرُ فِي عَكْسِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ يَعُودُ إِلَى الْوَلِيِّ، أَيْ: وَالْوَلِيُّ الْمُتَّخَذُ يُرْزَقُ وَلَا يَرْزُقُ أَحَدًا، وَالضَّمِيرُ فِي الْقِرَاءَةِ الثَّالِثَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ: وَاللَّهُ يُطْعِمُ مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُطْعِمُ مَنْ يَشَاءُ. فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقِرَاءَاتِ تَنَافٍ وَلَا تَضَادٌّ وَلَا تَنَاقُضٌ.
وَكُلُّ مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ قَبُولُهُ، وَلَمْ يَسَعْ أَحَدًا مِنَ الْأُمَّةِ رَدُّهُ وَلَزِمَ الْإِيمَانُ بِهِ، وَإِنَّ كُلَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِذْ كُلُّ قِرَاءَةٍ مِنْهَا مَعَ الْأُخْرَى بِمَنْزِلَةِ الْآيَةِ مَعَ الْآيَةِ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهَا كُلِّهَا وَاتِّبَاعُ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْمَعْنَى عِلْمًا وَعَمَلًا، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ مُوجِبِ إِحْدَاهُمَا لِأَجْلِ الْأُخْرَى ظَنًّا أَنَّ ذَلِكَ تَعَارُضٌ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: " لَا تَخْتَلِفُوا فِي الْقُرْآنِ وَلَا تَتَنَازَعُوا فِيهِ ; فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يَتَسَاقَطُ، أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ فِيهِ وَاحِدَةٌ، حُدُودُهَا وَقِرَاءَتُهَا وَأَمْرُ اللَّهِ فِيهَا وَاحِدٌ، وَلَوْ كَانَ مِنَ الْحَرْفَيْنِ حَرْفٌ يَأْمُرُ بِشَيْءٍ يَنْهَى عَنْهُ الْآخَرُ كَانَ ذَلِكَ الِاخْتِلَافَ، وَلَكِنَّهُ جَامِعٌ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَمَنْ قَرَأَ عَلَى قِرَاءَةٍ فَلَا يَدَعْهَا رَغْبَةً عَنْهَا، فَإِنَّهُ مَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ مِنْهُ كَفَرَ بِهِ كُلَّهُ ".
(قُلْتُ) : وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ: لِأَحَدِ الْمُخْتَلِفِينَ: " أَحْسَنْتَ "، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " أَصَبْتَ "، وَفِي الْآخَرِ: " هَكَذَا أُنْزِلَتْ ". فَصَوَّبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute