عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَبِي الْقَاسِمِ الْهُذَلِيِّ، وَغَيْرِهِمْ وَحَكَاهُ الدَّانِيُّ عَنْ أَبِي طَاهِرٍ وَعَبْدِ الْمُنْعِمِ وَجَمَاعَةٍ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى التَّفْصِيلِ فَاسْتَثْنَوْا مَا كَانَ بَعْدَ سَاكِنٍ صَحِيحٍ مُظْهَرٍ، وَهُوَ الْكَلِمَاتُ السِّتُّ ذِكْرًا وَسِتْرًا وَأَخَوَاتِهِ، وَلَمْ يَسْتَثْنُوا الْمُدْغَمَ، وَهُوَ: سِرًّا وَمُسْتَقَرًّا؛ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْحَرْفَيْنِ فِي الْإِدْغَامِ كَحَرْفٍ وَاحِدٍ، إِذِ اللِّسَانُ يَرْتَفِعُ بِهِمَا ارْتِفَاعَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ، وَلَا فُرْجَةَ، فَكَأَنَّ الْكَسْرَةَ قَدْ وَلِيَتِ الرَّاءَ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَافِظِ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ وَشَيْخَيْهِ أَبِي الْفَتْحِ وَالْخَاقَانِيِّ، وَبِهِ قَرَأَ عَلَيْهِمَا، وَكَذَلِكَ هُوَ مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ وَأَبِي الْعَبَّاسِ الْمَهْدَوِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُرَيْحٍ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ بَلِّيمَةَ وَأَبِي مُحَمَّدٍ مَكِّيٍّ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْفَحَّامِ وَالشَّاطِبِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. إِلَّا أَنَّ بَعْضَ هَؤُلَاءِ اسْتَثْنَى مِنَ الْمَفْصُولِ بِالسَّاكِنِ الصَّحِيحِ صِهْرًا. فَرَقَّقَهُ مِنْ أَجْلِ إِخْفَاءِ الْهَاءِ كَابْنِ شُرَيْحٍ وَالْمَهْدَوِيِّ وَابْنِ سُفْيَانَ وَابْنِ الْفَحَّامِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِهِ الدَّانِيُّ، وَلَا ابْنُ بَلِّيمَةَ، وَلَا الشَّاطِبِيُّ فَفَخَّمُوهُ، وَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا مَكِّيٌّ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَرْقِيقِ كُلِّ مُنَوَّنٍ، وَلَمْ يَسْتَثْنُوا ذِكْرًا وَبَابَهُ فَمِنْهُمْ أَبُو الْحَسَنِ طَاهِرُ بْنُ غَلْبُونَ، وَغَيْرُهُ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَيْهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى اسْتِثْنَاءِ: مِصْرًا، وَإِصْرًا، وَقِطْرًا، وَوِزْرًا، وَوَقْرًا مِنْ أَجْلِ حَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ.
(تَنْبِيهٌ) : قَوْلُ أَبِي شَامَةَ: وَلَا يَظْهَرُ لِي فَرْقٌ بَيْنَ كَوْنِ الرَّاءِ فِي ذَلِكَ مَفْتُوحَةً، أَوْ مَضْمُومَةً، بَلِ الْمَضْمُومَةُ أَوْلَى بِالتَّفْخِيمِ لِأَنَّ التَّنْوِينَ حَاصِلٌ مَعَ ثِقَلِ الضَّمِّ، قَالَ: وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا ذِكْرُ انْتَهَى.
(قُلْتُ) : وَقَدْ أَخَذَ الْجَعْبَرِيُّ هَذَا مِنْهُ مُسَلَّمًا فَغَلَّطَ الشَّاطِبِيَّ فِي قَوْلِهِ: وَتَفْخِيمُهُ ذِكْرًا وَسِتْرًا وَبَابَهُ - حَتَّى غَيَّرَ هَذَا الْبَيْتَ فَقَالَ: وَلَوْ قَالَ مِثْلَ:
كَذِكْرًا رَقِيقٌ لِلْأَقَلِّ وَشَاكِرٍ ... خَبِيرٍ لِأَعْيَانٍ وَسِرًّا تَعَدَّلَا
لَنَصَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَسَوَّى بَيْنَ ذِكْرٍ الْمَنْصُوبِ، وَذِكْرٍ الْمَرْفُوعِ، وَتَمَحَّلَ لِإِخْرَاجِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الشَّاطِبِيِّ فَقَالَ: وَمِثَالَا النَّاظِمِ دَلَّا عَلَى الْعُمُومِ فَذَكَرَ مُبَارَكٌ مِثَالًا لِلْمَضْمُومِ، وَنَصَبَهَا لِإِيقَاعِ الْمَصْدَرِ عَلَيْهَا، وَلَوْ حَكَاهَا لَأَجَادَ انْتَهَى. وَهَذَا كَلَامُ مَنْ لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute