للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَكْسًا. وَكُنْتُ أُنَوِّعُ بِمِثْلِ هَذِهِ التَّنْوِيعَاتِ حَالَةَ الْجَمْعِ عَلَى أَبِي الْمَعَالِي بْنِ اللَّبَّانِ لِأَنَّهُ كَانَ أَقْوَى مَنْ لَقِيتُ اسْتِحْضَارًا فَكَانَ عَالِمًا بِمَا أَعْمَلُ وَهَذِهِ الطَّرِيقُ لَا تُسْلَكُ إِلَّا مَعَ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ.

أَمَّا مَنْ كَانَ ضَعِيفًا فِي الِاسْتِحْضَارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْلُكَ بِهِ نَوْعًا وَاحِدًا مِنَ التَّرْتِيبِ لَا يَزُولُ عَنْهُ لِيَكُونَ أَقْرَبَ لِلْخَاطِرِ. وَأَوْعَى إِلَى الذِّهْنِ الْحَاضِرِ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَرَى تَقْدِيمَ قَالُونَ، أَوَّلًا كَمَا هُوَ مُرَتَّبٌ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ. وَآخَرُونَ يَرَوْنَ تَقْدِيمَ وَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ مِنْ أَجْلِ انْفِرَادِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَاتِهِ عَنْ بَاقِي الرُّوَاةِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْخِلَافِ كَالْمَدِّ وَالنَّقْلِ وَالتَّرْقِيقِ وَالتَّغْلِيظِ فَإِنَّهُ يُبْتَدَأُ لَهُ غَالِبًا بِالْمَدِّ الطَّوِيلِ فِي نَحْوِ: آدَمَ وَآمَنَ وَإِيمَانٍ وَنَحْوَهُ مِمَّا يَكْثُرُ دَوْرُهُ، ثُمَّ بِالتَّوَسُّطِ، ثُمَّ بِالْقَصْرِ فَيَخْرُجُ مَعَ قَصْرِهِ فِي الْغَالِبِ سَائِرُ الْقُرَّاءِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ يَظْهَرُ فِي الِاخْتِيَارِ. وَهَذَا الَّذِي أَخْتَارُهُ، أَمَّا إِذَا أَخَذْتَ بِالتَّرْتِيبِ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ أَقْرَأْ بِسِوَاهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ شُيُوخِي بِالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْحِجَازِ وَالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا الْحُكْمِ إِذَا قُدِّمَ وَرْشٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ يُتْبَعُ بِطَرِيقِ الْأَصْبَهَانِيِّ، ثُمَّ بَقَالُونَ، ثُمَّ بِأَبِي جَعْفَرٍ، ثُمَّ بِابْنِ كَثِيرٍ، ثُمَّ بِأَبِي عَمْرٍو، ثُمَّ يَعْقُوبَ ثُمَّ ابْنِ عَامِرٍ، ثُمَّ عَاصِمٍ، ثُمَّ حَمْزَةَ، ثُمَّ الْكِسَائِيِّ، ثُمَّ خَلَفٍ، وَيُقَدِّمُ عَنْ كُلِّ شَيْخٍ الرَّاوِي الْمُقَدَّمُ فِي الْكِتَابِ، وَلَا يَنْتَقِلُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ حَتَّى يُكْمِلَ مَنْ قَبْلُ، وَكَذَلِكَ كَانَ الْحُذَّاقُ مِنَ الشُّيُوخِ إِذَا انْتَقَلَ شَخْصٌ إِلَى قِرَاءَةٍ قَبْلَ إِتْمَامِ مَا قَبْلَهَا لَا يَدَعُونَهُ يَنْتَقِلُ حِفْظًا لِرِعَايَةِ التَّرْتِيبِ وَقَصْدًا لِاسْتِدْرَاكِ الْقَارِئِ مَا فَاتَهُ قَبْلَ اشْتِغَالِ خَاطِرِهِ بِغَيْرِهِ وَظَنِّهِ أَنَّهُ قَرَأَهُ. فَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَضْرِبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ خَفِيفًا لِيَتَفَطَّنَ الْقَارِئُ مَا فَاتَهُ فَإِنْ رَجَعَ وَإِلَّا قَالَ: مَا وَصَلْتَ. يَعْنِي إِلَى هَذَا الَّذِي تَقْرَأُ لَهُ فَإِنْ تَفَطَّنَ وَإِلَّا صَبَرَ عَلَيْهِ حَتَّى يَذْكُرَهُ فِي نَفْسِهِ فَإِنْ عَجَزَ قَالَ الشَّيْخُ لَهُ. وَكَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يَصْبِرُ عَلَى الْقَارِئِ حَتَّى يُكْمِلَ الْأَوْجُهَ فِي زَعْمِهِ وَيَنْتَقِلَ فِي الْقِرَاءَةِ إِلَى مَا بَعْدُ فَيَقُولُ مَا فَرَغْتَ. وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَتْرُكُ الْقَارِئَ يَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ فِي مَوْضِعٍ يَقِفُ حَتَّى يَعُودَ وَيَتَفَكَّرَ مِنْ نَفْسِهِ وَكَانَ ابْنُ يَصْخَانَ إِذَا رَدَّ عَلَى الْقَارِئِ شَيْئًا