للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْإِدْرَاجُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَأَيْضًا فَغَايَتُهُ أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ التَّفْسِيرِ زِيَادَةً عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ مِنْ ثِقَةٍ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، فَدَلَّ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدَّمْنَاهُ مِنَ الرِّوَايَاتِ وَالطُّرُقِ وَالْمُتَابَعَاتِ عَلَى قُوَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَتَرَقِّيهِ عَلَى دَرَجَةِ أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا، إِذْ ذَاكَ مَا يُقَوِّي بَعْضُهُ بَعْضًا وَيُؤَدِّي بَعْضُهُ بَعْضًا، وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو أَيْضًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِذَا خَتَمُوا الْقُرْآنَ أَنْ يَقْرَءُوا مَنْ أَوَّلِهِ آيَاتٍ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ مَا اخْتَارَهُ الْقُرَّاءُ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ السَّلَفُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو شَامَةَ: ثُمَّ وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَالتَّفْسِيرُ لَكَانَ مَعْنَاهُ الْحَثَّ عَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا فَكُلَّمَا فَرَغَ مِنْ خَتْمَةٍ شَرَعَ فِي أُخْرَى أَيْ أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ عَنِ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ خَتْمَةٍ يَفْرَغُ مِنْهَا، بَلْ يَكُونُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ دَأْبَهُ وَدَيْدَنَهُ انْتَهَى. وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّا لَمْ نَدَّعِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ دَالٌّ نَصًّا عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالْخَمْسِ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ عَقِيبَ كُلِّ خَتْمَةٍ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا بِحَيْثُ إِذَا فَرَغَ مِنْ خَتْمَةٍ شَرَعَ فِي أُخْرَى وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ. وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالْخَمْسِ مِنَ الْبَقَرَةِ فَهُوَ مِمَّا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ أَوَّلًا الْمَرْوِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا نَقُولُ إِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِكُلِّ قَارِئٍ، بَلْ نَقُولُ كَمَا قَالَ أَئِمَّتُنَا فَارِسُ بْنُ أَحْمَدَ، وَغَيْرُهُ: مَنْ فَعَلَهُ فَحَسَنٌ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُدَامَى الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْمُغْنِي أَنَّ أَبَا طَالِبٍ صَاحِبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ إِذَا قَرَأَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ يَقْرَأُ مِنَ الْبَقَرَةِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، فَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَنْ يَصِلَ خَتْمَةً بِقِرَاءَةِ شَيْءٍ انْتَهَى. فَحَمَلَهُ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ، وَقَالَ: لَعَلَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ فِيهِ أَثَرٌ صَحِيحٌ يَصِيرُ إِلَيْهِ انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ، إِذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَهِمَ مِنَ السَّائِلِ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ فَقَالَ: لَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ قَبْلَ أَنْ يَدْعُوَ،