للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفائدة الخلاف تظهر فيمن أوقع شيئا من أعمال الحج بعد يوم النحر، فمن قال: إن ذا الحجة كله من أشهر الحج. قال: تم حجه، ولا يلزمه دم بالتأخير. ومن قال: إلى عشر ذي الحجة. قال: يلزمه دم بالتأخير. ذكره الشوكاني.

وقال أبو بكر الرازي: وقال قائلون: وجائز ألا يكون ذلك اختلافا في الحقيقة، وأن يكون مراد من قال: وذو الحجة أنه بعضه، لأنّ الحج لا محالة في بعض الأشهر، لا في جميعها، لأنّه لا خلاف أنه ليس يبقى بعد أيام منى شيء من مناسك الحج.

وقالوا: ويحتمل أن يكون من تأوّله على ذي الحجة كله مراده أنّها لما كانت هذه هي أشهر الحج كان الاختيار عنده ألا يؤتى بالعمرة فيها، كما روي عن عمر وغيره من استحبابهم لفعل العمرة في غير أشهر الحج كما قدّمنا.

هذا وقد حكى الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف قال: شوال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة، لأنّ من لم يدرك عرفة حتى طلع فجر يوم النحر فقد فات حجّه.

بقي أنه كيف يقال للشهرين وبعض الثالث: إنها أشهر؟ نقول: إن اللغة لا تمنع من ذلك.

وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «أيام منى ثلاثة»

وهي اثنان وبعض الثالث، ويقال: حججت عام كذا، والمراد بعضه.

وقال أبو بكر الرازي: ولقول من يقول: إنها شوال، وذو القعدة، وذو الحجة وجه آخر، وهو ينتظم القولين جميعا، وهو أنّ الآية سيقت لبيان أنّ هذه هي الأشهر التي يكون فيها الحج دون تبديل ولا تغيير، على نحو ما كان يفعله أهل الجاهلية من التغيير والتبديل. فكانوا يغيرون في أشهر الحج، فمعنى قوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ أن أعمال الحج تقع في هذه الأشهر، على مقتضى بيان السنة، دون ما كان يفعله أهل الجاهلية من تبديل الشهور وتأخير الحج، وتقديمه.

وقد اختلف السلف في إيقاع الإحرام بالحج قبل أشهر الحج، فروى مقسم عن ابن عباس أنه قال: من سنة الحج ألا يحرم بالحج قبل أشهر الحج. وروي عن جابر أنه قال: لا يحرم الرجل بالحج قبل أشهر الحج، وروي مثله عن طاوس وعطاء، ومجاهد، وغيرهم، وقال عطاء: من أحرم بالحج قبل أشهر الحج فليجعلها عمرة.

وفي مقابل ذلك

روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال في قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ. وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ: إن إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك.

وروي عن إبراهيم النخعي وأبي نعيم جواز الإحرام بالحج قبل أشهر الحج، وهو قول الحنفية، ومالك والثوري، والليث بن سعد. وقال الحسن بن صالح بن يحيّى «١» : إذا أحرم بالحج قبل أشهر الحج


(١) الهمداني الثوري الكوفي أبو عبد توفي (١٦٩ هـ) كان فقيها متكلما، انظر الأعلام للزركلي (٢/ ١٩٣) .

<<  <   >  >>