للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن الإعتاق والصوم، فجاز أن يراد اعتزلها حتى تكفّر بالعتق، أو حتّى تكفّر بالصوم.

بقي أن يقال: لم تذكر الآية حكم من عجز عن الخصال الثلاث، أتسقط الكفارة عنه أم تستقر في ذمته ويحرم عليه المسيس حتى يكفر؟

والذي استظهره العلماء أنّها لا تسقط، بل تستقر في ذمته، حتى يتمكن، قياسا على سائر الديون والحقوق والمؤاخذات، كجزاء الصيد وغيره. ولأنّ أصحاب السنن رووا أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أعان أوس بن الصامت بعذق من تمر، وأعانته زوجته بمثله فكفّر، وأمر سلمة بن صخر أن يأخذ صدقة قومه فيكفّر بها عن نفسه، ولو سقطت بالعجز لما أمرهما بإخراجها.

وقد أطلنا هنا بذكر الفروع، لأننا نراها كلها متعلقة بتفسير الآية، والله الموفق.

ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ الإشارة إلى ما سبق من البيان وتفصيل الأحكام، وتعليمهم إياها. أي ذلك الذي بيّنا فيما مرّ واقع وحاصل لتؤمنوا بالله ورسوله، وتعملوا بما شرع لكم، وترفضوا ما كنتم عليه في جاهليتكم.

وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ أي الأحكام المذكورة حدود الله فالزموها، وقفوا عندها لا تتعدوها وَلِلْكافِرِينَ الذين يتعدونها عَذابٌ أَلِيمٌ على كفرهم. وأطلق الكافر على متعدي الحدود تغليظا وزجرا، نظير قوله تعالى: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ [آل عمران: ٩٧] .

قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠)

التناجي: التسار والمناجاة المسارّة. مأخوذ من النجوة، وهي ما ارتفع من الأرض، وسمّيت بذلك، لأن المتسارين يكونان بخلوة في نجوة من الأرض، بعيدا عن المتسمعين، أو سمّيت بذلك لأنّ السرّ يصان، فكأنه ارتفع عن الناس، ومن هذا قال الشاعر:

وفتيان صدق لست مطلع بعضهم ... على سرّ بعض غير أني جماعها

يظلّون شتّى في البلاد وسرّهم ... إلى صخرة أعيا الرّجال انصداعها

وقيل: إنّ التناجي من المناجاة، وهي الخلاص، وكأنّ المتناجيين يتعاونان على أن يخلّص أحدهما الآخر.

والآية التي معنا خطاب المؤمنين، وأريد من النهي هنا التعريض بأولئك الذين كانوا يدورون في المجالس يشيعون السوء ويتناقلونه، حتى يؤثّر ذلك في أقارب

<<  <   >  >>