للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[بيان الأصناف الثمانية]

الصنفان الأول والثاني: الفقراء والمساكين قال الإمام الشافعي في حد الفقير: إنه من ليس له مال ولا كسب يقع موقعا من حاجته، والمسكين هو الذي يقدر على ما يقع موقعا من كفايته، إلا أنه لا يكفيه، فالفقير أسوأ حالا من المسكين.

وقال الإمامان أبو حنيفة «١» ومالك: إنّ المسكين أسوأ حالا من الفقير، والخلاف في ذلك لا يظهر له فائدة في الزكاة، لأنه يجوز عند أبي حنيفة ومالك صرف الزكاة إلى صنف واحد بل إلى شخص واحد من صنف. لكن يظهر للخلاف فائدة في الوصية للفقراء دون المساكين، أو العكس، وفيمن أوصى بألف للفقراء ومئة للمساكين مثلا.

ومحل الخلاف إنما هو عند ذكر اللفظين معا، أو ذكر أحدهما مع نفي الآخر، أما إذا ذكر أحدهما ولم ينف الآخر، كما إذا قال: أوصيت للفقراء بكذا، فلا خلاف في أنه يجوز أن يعطي المساكين، وهذا معنى قول بعضهم: إنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، وحجة الشافعي فيما ذهب إليه وجوه:

أولها: أنه تعالى بدأ بذكر الفقراء، وهو جلّ شأنه إنما أثبت الصدقات لهؤلاء الأصناف دفعا لحاجتهم، وتحصيلا لمصلحتهم، وهذا يدلّ على أن الذي وقع الابتداء بذكره يكون أشدّ حاجة، لأن الظاهر تقديم الأهم على المهم.

ثانيها: أن الفقير أصله في اللغة المفقور الذي نزعت فقرة من فقار ظهره، فعيل بمعنى مفعول، فهو ممنوع من التقلب والكسب، ومعلوم أن لا حال في الإقلال والبؤس آكد من هذه الحال.

ثالثها: ما

روي عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يتعوّذ من الفقر «٢» وقد قال: «اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين» «٣»

فلو كان المسكين أسوأ حالا لتناقض الحديثان لأنه حينئذ يكون قد تعوذ من الفقر ثم سأل حالا أسوأ منه، أما إذا قلنا إن الفقير أسوأ حالا فلا تناقض البتة. وقد توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يملك أشياء كثيرة، فدل ذلك على أن كونه مسكينا لا ينافي كونه مالكا لبعض الأشياء.

رابعها: قوله تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ [الكهف: ٧٩]


(١) انظر الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني (١- ٢/ ١٢٠) .
(٢) رواه النسائي في السنن (٧- ٨/ ٦٥٥) ، كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من الفقر حديث رقم (٥٤٧٩) .
(٣) رواه ابن ماجه في السنن (٢/ ٣٨١) ، ٣٧- كتاب الزهد، ٧- باب مجالسة الفقراء حديث رقم (٤١٢٦) . [.....]

<<  <   >  >>