للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من فعل الخير الذي يتقرّب به، والوصية إنما تقدّم على الميراث في بعض المال، وهو الثلث، وإنما كان كذلك لأنه لو منع من الوصية البتة لفاته باب من الخير عظيم. ولو سلّط عليه جميعه لربما أخرجه كله بالوصية، ولم يبق لورثته شيء، فجعل الله له عند موته أن يوصي بالثلث فقط، ليجمع بين خيره وخير ورثته.

وإنما قدّم الله الوصية على الدين في الذكر، مع أنه مقدّم عليها، وأولى منها، ولا وصية إلّا بعد وفاء الدين، لأنّ الدين معلوم قوته، قدّم أو لم يقدّم، فأراد أن يقوّي من شأن الوصية، فقدمها في الذكر.

على أن أَوْ لا تقتضي الترتيب، وأَوْ هاهنا للإباحة، كما في قولك:

جالس الحسن أو ابن سيرين. والمعنى: من بعد أحدهما، ومن بعدهما إذا اجتمعا.

آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً يقول الله تعالى: هؤلاء الذين أوصاكم الله فيهم، وحدّ أنصباءهم، هم آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فحد أنصباءهم ولم يكل ذلك إليكم، لأنكم لا تدرون أيّهم أقرب لكم نفعا.

فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ نصب المصدر المؤكد، أي فرض الله ذلك فريضة.

إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً يعلم بما يصلح خلقه، وهو ذو حكمة في تدبيره، وفيما قسّم من ميراث بعضكم من بعض، وفيما يقضي بينكم من الأحكام، فسلموا قسمته في المواريث، وسلّموا ما قضى به من إعطاء النساء والضعفاء- وقد كنتم تحرمونهم- لأنّه قضاء من لا تخفى عليه مواضع المصلحة.

[ميراث الأزواج والزوجات]

قال الله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ الورثة المذكورون في قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ إلى قوله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ. أقسام ثلاثة، لأنّ الوارث إما أن يكون متصلا بالميت بواسطة، أو بغير واسطة. فالأول هو الكلالة، والثاني إما أن يكون السبب النسب أو الزوجية، فتلك أقسام ثلاثة، وأعلى هذه الأقسام وأشرفها ما كان الاتصال فيه حاصلا ابتداء من جهة النسب، وذلك هو الأولاد والوالدان، فالله تعالى قدم حكم هذا القسم لذلك، ثم عقّبه بالقسم الثاني، وهو ما كان الاتصال فيه حاصلا ابتداء من جهة الزوجية، وهذا القسم متأخر في الشرف عن القسم الأول، لأنّ القسم الأول أصلي، والثاني طارئ، ويلي ذلك القسم

<<  <   >  >>