للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لما أباح الله للمالك أن يأكل من الثمر قبل أداء حق الله تعالى فيه نهى عن الإسراف في الأكل المرخّص فيه قبل الحصاد، كيلا يؤدي إلى بخس حق الفقراء، وقال الزهري: المعنى لا تنفقوا في معصية الله، ويروى نحوه عن مجاهد، فقد أخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال: لو كان أبو قبيس ذهبا فأنفقه رجل في طاعة الله تعالى لم يكن مسرفا، ولو أنفق درهما في معصية الله تعالى كان مسرفا.

ومن هنا قال بعض الحكماء: لا سرف في الخير، ولا خير في السرف. وقال مقاتل: لا تشركوا الأصنام في الحرث والأنعام «إنّ الله لا يحب المسرفين» بل يبغضهم من حيث إسرافهم ويعذّبهم عليه إن شاء.

قال الله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥)

روي عن طاوس أنّ أهل الجاهلية كانوا يستحلّون أشياء، ويحرمون أشياء، فأنزل الله تعالى هذه الآية «١» .

وقد ذكر الله قبل هذه الآية ما كانوا يحرمون من الأنعام، وذمّهم على تحريم ما أحله، وعنّفهم، وأبان عن جهلهم، لأنّهم حرّموا بغير وحي من الله، ثم أتبع ذلك البيان الصحيح فقال: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إلخ فبيّن بذلك أنّ التحليل والتحريم لا يثبت كلّ منهما إلا بالوحي.

وإذ ليس في الوحي محرّم غير أربعة أشياء: الميتة، والدم المسفوح، ولحم الخنزير، والفسق الذي أهل لغير الله به: ثبت أنه لا يحرم إلا هذه الأربعة.

واستشكلت هذه الآية بأنها حصرت المحرمات في هذه الأربعة، ولا شك أنها أكثر من ذلك. وأجيب عن ذلك بأجوبة:

الأول: أن المعنى لا أجد محرّما مما كان أهل الجاهلية يحرّمونه من البحائر والسوائب كما يشير إلى ذلك سبب النزول والآيات السابقة على هذه الآية. وعلى هذا المعنى يكون الاستثناء منقطعا، أي لا أجد ما حرّموه، لكن أجد الأربعة محرّمة، والاستثناء المنقطع ليس كالمتصل في إفادة الحصر، كما نبهوا على ذلك.

والجواب الثاني: أن المعنى لا أجد إلى الآن محرّما على طاعم يطعمه إلا الأربعة، ولم يرتض الإمام الرازي «٢» هذين الجوابين، لأنّه ورد في القرآن الكريم غير


(١) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان (٨/ ٥٠) .
(٢) انظر تفسير مفاتيح الغيب للإمام الرازي (١٣/ ٢١٩) .

<<  <   >  >>