ومعلوم أنّ الرجاء المستفاد من عسى لا يصح أن يكون صادرا من الله، لأنّ حقيقته ظنّ بحصول أمر وقعت أسبابه، واتخذت وسائله من مبتغيه.
ويستنبط من الآيتين أمور:
١- أنّ أعمال البر الصادرة من المشركين لا تجلب لهم ثوابا في الآخرة، ولا تدفع عنهم عذابا.
٢- أن كل ما اتصف بالإيمان، وما عطف عليه من الأوصاف المتقدمة فهو الجدير دون غيره بأن يقبل الله منه عمارة مساجده.
٣- أخذ بعضهم من قوله تعالى: وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ أنه ينبغي لمن بنى مسجدا أن يخلص لله في بنائه بحيث لا يكون الباعث له على بنائه رياء ولا سمعة.
٤- يؤخذ من التعبير بعسى في جانب المؤمنين قطع طماعية المشركين في الانتفاع بأعمالهم التي استعظموها، وافتخروا بها، حيث بيّن الله تعالى أن حصول الاهتداء لمن آمنوا بالله، ولم يخشوا غيره دائر بين لعل وعسى. وإذا كان حال المؤمنين هكذا فلا يليق بالمشرك أن يرجو لنفسه الهداية والفوز بالخير فضلا عن قطعه بذلك.
٥- التنويه بفضل عمارة المساجد وقد ورد في عمارة المساجد الحسية والمعنوية أحاديث كثيرة:
ومنها ما رواه أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه والحاكم وغيرهم من
حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، وتلا إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ» الآية «١»
وهو نص في العمارة المعنوية، كما أنّ الحديث الأول نص في الحسية.
قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨)
الأكثرون على أن لفظ المشركين خاصّ بعباد الأوثان. وقال قوم: يتناول جميع الكفار، ويدل لهذا القول قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: ٤٨] أي لا يغفر أن يكفر به، وهذا هو الظاهر.
(١) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٥/ ١٤) ، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، حديث رقم (٢٦١٧) ، وأحمد في المسند (٣/ ٦٨) ، وابن ماجه في السنن (١/ ٢٦٣) ، ٤- كتاب المساجد، ١٩- باب لزوم المساجد حديث رقم (٨٠٢) .