للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله تعالى: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ يعني وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ في تحليل الميتة، أو في تحليل ما أهلّ به لغير الله إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ وفيه دليل على أنّ من استحل الحرام واتبع غير الله في دينه كان كافرا، لأنه أشرك بالله غيره، بل آثر حكمه على حكم الله. وهذا الكلام على تقدير القسم وحذف اللام الموطئة، أي ولئن أطعتموهم إنّكم جواب القسم أغنى عن جواب الشرط، وأجاز المبرّد أن يكون الجواب للشرط بلفظ الماضي.

قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (١٤١)

المعروشات من الكرم: ما يحمل على العريش، وهو عيدان تصنع كهيئة السقف، ويوضع الكرم عليها.

وغير المعروشات: الملقيات على وجه الأرض من الكرم أيضا. وقيل المعروش ما يحتاج إلى عريش يحمل عليه من الكرم وما يجري مجراه. وغير المعروش: الشجر المستغني باستوائه على سوقه عن التعريش. والأكل: الثمر المأكول.

والحصاد: حصد الزرع إذا انتهى وجاء زمانه.

سيقت هذه الآية هي ومثيلتها السابقة في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ الآية لإقامة الدلائل على تقرير التوحيد.

المعنى: أنّ الله وحده هو الذي خلق وأظهر هذه الجنات من غير أن يكون معه شريك.

وقوله: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ أمر إباحة، وفائدة التقييد بقوله: إِذا أَثْمَرَ الترخيص للمالك في الأكل منه قبل أداء حقّ الله تعالى.

واختلف العلماء في الحق الواجب في الثمر المفهوم من قوله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ فعن ابن عباس أنه الزكاة الواجبة، وهي العشر، أو نصفه. وفي رواية أخرى على الخبر أيضا أنه ما كان يتصدق به يوم الحصاد بطريق الوجوب من غير تعيين المقدار، ثم نسخ بالزكاة، واختار هذه الرواية بعض العلماء، لأنّ الزكاة فرضت بالمدينة، وهذه السورة مكية.

وأجاب الإمام الرازي «١» عن ذلك بأنّا لا نسلّم أنّ الزكاة لم تكن واجبة بمكة، وكون آيتها مدنية لا يدلّ على ذلك. على أنه قد قيل: إنّ هذه الآية من سورة الأنعام مدنية. وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.


(١) انظر تفسير مفاتيح الغيب للإمام الرازي (١٣/ ٢١٣) .

<<  <   >  >>