للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحكم أبو بكر الصديق بقتل اللائط، وكتب به إلى خالد بن الوليد بعد مشاورة الصحابة.

ونقل بعض الحنابلة إجماع الصحابة على أنّ حدّ اللواط القتل، وإنما اختلفوا في كيفيته: فمنهم من قال: يرمى من شاهق، ومنهم من قال: يهدم عليه حائط، ومنهم من قال: يقتل رميا بالحجارة.

هذا ولا نعلم خلافا بين الفقهاء في أن السحاق لم يشرع فيه إلا التعزير.

وأما إتيان البهائم ففي رواية عن أحمد أنه كاللواط، عقوبته القتل، وهو قول مرجوح عند الشافعية. والصحيح أنّه ليس فيه إلا التعزير.

[صفة الجلد]

قوله تعالى: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ قد تأوّله جماعة على أنّه نهي عن التخفيف في الجلد، وتأوله آخرون على أنه نهي عن ترك الحد وإسقاطه، ولا مانع عندنا من أن يكون اللفظ منتظما للمعنيين، أي لا ترأفوا بهما فتسقطوا الحد عنهما أو تخففوه، بل الواجب استيفاؤه كاملا غير منقوص وإذا ضم ذلك إلى ما يفهم من قوله تعالى: فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ أي اضربوا جلدها ضربا لا يتجاوز الألم فيه الجلد إلى اللحم كان المطلوب بمجموع اللفظين أن يكون الجلد على حد الاعتدال.

روى عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي قال: أتي عمر بسوط فيه شدة، فقال: أريد ألين من هذا، فأتي بسوط فيه لين، فقال: أريد أشدّ من هذا، فأتي بسوط بين السوطين فقال: اضرب ولا يرى إبطك، وأعط كل عضو حقه، وروي مثل ذلك عن ابن مسعود وعلي وأنس بن مالك رضي الله عنهم.

واتفق العلماء جميعا على أنّ الضارب يتقي الوجه والفرج. وروي عن علي كرّم الله وجهه استثناء الرأس أيضا، وبه قال أبو حنيفة ومحمد.

وينبغي أن ينزع عن المحدود ما يمنع من الثياب أن يصل إليه ألم الضرب، كالحشو والفراء، لأنّ الضرب فوق الحشو والفرو لا يسمّى ضربا في العادة، ألا ترى أنّه لو حلف أن يضرب فلانا فضربه وعليه حشو أو فرو فلم يصل إليه الألم أنه لا يكون ضاربا ولم يبر في يمينه، ولو وصل إليه الألم كان ضاربا.

[تحريم الشفاعة في الحدود]

قلنا إن قوله تعالى: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ معناها النهي عن تخفيف الحد وإسقاطه، فيكون في ذلك دليل على أنّه لا تجوز الشفاعة في إسقاط حد الزنى، لأنّ فيه تعطيلا لحدود الله أن تقام، وليس ذلك لخصوصية في الزنى، بل مثله سائر الحدود تحرم الشفاعة فيها، فقد صحّ أنه عليه الصلاة والسلام أنكر على حبّه

<<  <   >  >>