للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورجح الحنفية والمالكية حملها على الابتداء، وتمييز الجنس، لما ورد في الأحاديث الكثيرة التي ترشد إلى آداب التيمم من أنّ المتيمم ينفض يديه، ليتناثر التراب، فيمسح وجهه ويديه من غير تلويث، ولما

ورد من أنه عليه الصلاة والسلام تيمم على حائط بضربتين للوجه واليدين «١»

والظاهر أنه لا يعلق على يديه شيء من التراب.

ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ.

الحرج: الضيق، ولما بيّن الله تعالى فيما سبق أنه متى لم يتمكن المتطهر من استعمال الماء جاز له أن يتيمم، وكان في هذا تيسير عظيم على المسلمين، أعقبه بهذه الآية ليدل على فضله تعالى وعظيم إحسانه بطريق الصراحة، والمعنى أنّ الله وسّع عليكم فأمركم بالطهارة بالماء عند وجوده، وبالطهارة بالتراب عند عدمه، لأنّه تعالى لم يرد أن يضيّق عليكم بالتزام حال واحدة في حال اليسر والعسر، وَلكِنْ يُرِيدُ هذه التكاليف لِيُطَهِّرَكُمْ من الأدران، وينظفكم من الضعف والكسل والفتور الذي يعتري الجسم من حين لآخر، كالذي يكون عند القيام من النوم، وعند اندفاع الخبث وسيلان الدم والقيء، وما أشبه ذلك. وينظفكم أيضا من الأدران النفسية، كالتمرد وعدم الامتثال، فإنّ المتمرد ربما يزعم أنّ أعضاء الوضوء مثلا نظيفة لم تصب بشيء من النجاسات، أو أنّ التراب لم يخلق مطهّرا، وإنما خلقه الله ملوّثا، فلا ينقاد لهذه الأوامر.

أما الذي يشعر بالعبودية، ويستحضر جلال الله تعالى فلا يسعه عند عدم إدراك حكمة التشريع إلا الانقياد والامتثال لأمره تعالى. فإنّ الله يريد هذه التكاليف ليطهركم من الأدناس الحسية والمعنوية.

وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ باليسر في الدين، وبإرشادكم إلى التمتع بنعمة الأعمال الدينية بعد إرشادكم إلى التمتع بنعمة الدنيا بإباحة الطيبات من المطاعم والمناكح لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي كي تشكروه لإنعامه عليكم، فلعل للتعليل، أو المعنى ليتم نعمته عليكم حال كونكم متلبسين بحالة ترجون معها شكر الله تعالى، فتكون (لعل) للترجي الواقع من المخاطبين.

[وهاهنا أمور]

الأول: يؤخذ من الآية أن الطهارة شرط لصحة الصلاة، لأنّه تعالى أوجب الطهارة بالماء عند إرادة الصلاة، وبيّن أنه إذا انعدم الماء وجب التيمم، فدل ذلك على أن المأمور به أداء الصلاة مع الطهارة، فأداؤها دون الطهارة لا يكون أداء للمأمور به، فلا يسقط الفرض به، فتكون الطهارة شرطا لصحة الصلاة.


(١) رواه مسلم (بلفظ مختلف) (١/ ٢٨١) ، ٣- كتاب الحيض، ٢٨- باب التيمم حديث رقم (١١٤/ ٣٦٩) ، وأبو داود في السنن (١/ ١٣٨) ، كتاب الطهارة، باب التيمم حديث رقم (٣٣٠) .

<<  <   >  >>