للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[سبب النزول]

: روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم لمّا تاب الله عليهم جاؤوا بأموالهم فقالوا: يا رسول الله! هذه أموالنا التي كانت سببا في تخلفنا، فتصدق بها عنا، واستغفر لنا.

فقال عليه الصلاة والسلام: «ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا» فنزلت هذه الآية، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أموالهم الثلث.

قال الحسن: وكان ذلك كفارة الذنب الذي حصل منهم.

وقد راع كثير من المفسرين سبب النزول، فجعل الضمير في قوله تعالى:

خُذْ خاصا بهذه الحادثة، وتكون الصدقة المأخوذة منهم صدقة تطوع معتبرة في كمال توبتهم، وجارية في حقهم مجرى الكفارة، وليس المراد بها الزكاة المفروضة، لأنها كانت واجبة من قبل.

وعن الجبائي أن المراد بها الزكاة، وأمر صلّى الله عليه وسلّم بأخذها هنا دفعا لتوهم إلحاقهم ببعض المنافقين، فإنها لم تكن تقبل منهم، كما يشير إليه قوله تعالى: قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ [التوبة: ٥٣] .

ومن الناس من لم يجعل سبب النزول حكما على الآية حيث قال: إنّ الضمير في قوله تعالى: مِنْ أَمْوالِهِمْ راجع إلى أرباب الأموال من المؤمنين مطلقا، ويدخل فيهم الذين اعترفوا بذنوبهم، وقد عرف مرجع الضمير بدلالة الحال عليه، كقوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) [القدر: ١] وقوله جل شأنه: ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ [فاطر: ٤٥] وقوله عزّ اسمه: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ [ص: ٣٢] وعلى هذا الرأي أكثر الفقهاء، إذا استدلوا بهذه الآية. على إيجاب الزكاة. قال الجصاص: وهو الصحيح، إذ لم يثبت أن هؤلاء القوم- يعني المعترفين- أوجب الله عليهم صدقة دون سائر الناس سوى زكاة الأموال، وإذا لم يثبت بذلك خبر فالظاهر أنهم وسائر الناس سواء في الأحكام والعبادات، وأنهم غير مخصوصين بها دون غيرهم من الناس، وإذا كان مقتضى الآية وجوب هذه الصدقة على سائر الناس كانت الصدقة هي الزكاة المفروضة، إذ ليس في أموال الناس حقّ واجب يقال له صدقة سوى الزكاة المفروضة.

وليس في قوله تعالى: تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها دلالة على أنها صدقة مكفرة للذنوب غير الزكاة المفروضة، لأنّ الزكاة المفروضة أيضا تطهّر وتزكي مؤدّيها. وسائر الناس من المكلفين محتاجون إلى ما يطهّرهم ويزكيهم.

وقوله تعالى: مِنْ أَمْوالِهِمْ عام في أصناف الأموال، فيقتضي ظاهره أن يؤخذ من كل صنف بعضه، وحكى الجصاص عن شيخه أبي الحسن الكرخي أنه كان يقول:

<<  <   >  >>