للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقيرا فليبدأ بنفسه، فإن كان له فضل فليبدأ مع نفسه بمن يعول، ثم إن وجد فضلا بعد ذلك فليتصدّق على غيره» «١» .

وقد زعم أناس أن هذه الآية منسوخة، نسختها الزكاة المفروضة، وكأنّهم ظنّوا أنّ الآية تدلّ على وجوب إنفاق ما فضل عن الأهل. والظاهر ما قاله الآخرون من أنها ثابتة الحكم، وليس في الآية ما يدل على وجوب إنفاق الفضل، بل الآية نزلت جوابا لمن سألوا ماذا ينفقون، فبيّن لهم فيه ما فيه لله رضا من الصدقات، وذكر لهم أنه لا يلزمهم أن ينفقوا الجهد في الصدقة.

قال الله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٠) العنت: المشقة. عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ [التوبة: ١٢٨] ما شق عليكم. وأعنته:

أي صيّره ذا مشقة.

روي في سبب نزول الآية أنّه لما نزلت إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً [النساء: ١٠] ، تحرّج النّاس عن مخالطتهم في الأموال، واعتزلوهم. فأنزل الله هذه الآية.

المعنى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ «٢» .

يعني قصد إصلاح أموالهم خير من اعتزالهم، وإن تخالطوهم ولم تجانبوهم فهم إخوانكم في الدين، والأخ يخالط أخاه ويداخله، ولا حرج في ذلك، فكانت هذه الآية إذنا في المخالطة مع صحة القصد، لا مع قصد أن ينفع نفسه بهذه الخلطة، ويضرّ باليتيم، ولا تجعلوا مخالطتكم إياهم ذريعة إلى أكل أموالهم بغير حق، فالله يعلم من خالطهم بقصد أكل أموالهم، وإفسادها عليهم ممن خالطهم، وكان قصده إصلاح أموالهم وتثميرها، ولو شاء الله لحرّم ما أحلّه لكم من مخالطة أموالكم بأموال اليتامى، فجهدكم وشقّ عليكم إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ غالب يقدر أن يشقّ على عباده ويحرجهم حَكِيمٌ ولكنه لا يكلفهم إلا ما فيه طاقتهم.

[الاحكام]

دلت هذه الآية على جواز التصرف في أموال اليتامى على وجه الإصلاح، فيجوز لولي اليتيم أن يبيع ماله، وأن يشتري له، وأن يقسم له، وأن يدفع مالا له لمن


(١) رواه مسلم (بغير هذا اللفظ) في الصحيح (٢/ ٦٩٢) ، ١٢- كتاب الزكاة، ١٣- باب الابتداء في النفقة حديث رقم (٤١/ ٩٩٧) .
(٢) رواه أبو داود في السنن (٣/ ٣٦) ، كتاب الوصايا، باب المخالطة حديث رقم (٢٨٧١) ، والنسائي في السنن (٥- ٦/ ٥٦٧) ، كتاب الوصايا، باب ما للوصي حديث رقم (٣٦٧١) .

<<  <   >  >>