للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن أريد يد الآخذ كان المعنى حتى يعطوا الجزية إعطاء ناشئا عن قهر يد قاهرة مستولية عليهم، وهي يد المسلمين، أو كان المعنى حتى يعطوا الجزية إعطاء ناشئا عن يد، أي عن إنعام عليهم، لأن قبول الجزية منهم، وترك أرواحهم نعمة عظمى تسدى إليهم.

وقوله: وَهُمْ صاغِرُونَ معناه أن يعطوا الجزية وهم بحالة الصّغار والذل، فلا يقبل منهم أن يتأففوا، أو يظهروا السخط على ولاية المسلمين، أو يرموهم بالظلم والاستبداد، ولا يعقل أن يعطى المعاهدون الجزية على هذه الحالة إلا إذا كان ولاة المسلمين على استعداد تام في أمر القوة المادية، بحسب ما يناسب الزمان والمكان، وفي القوة المعنوية، بحيث تكون التربية العامة لجماعة المسلمين مما تربي فيهم ملكة التيقظ والعزة والشجاعة والعصبية والتراحم فيما بين أفراد المسلمين بعضهم مع بعض، إلى آخر ما ورد في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

قال الله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦)

عدّة القوم جماعتهم، وعدّة المرأة أقراؤها، وأيام إحدادها على زوجها. ومن الأول قوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ أي جماعتها، والقيم الذي يتولى إصلاح غيره.

والمستقيم الذي لا عوج فيه. والدين الإسلامي قيم يصلح من تمسك بمبادئه وأحكامه، وهو في ذاته أحكام مستقيمة لا عوج فيها، صالحة لكل زمان ومكان.

كان اليهود والنصارى وغيرهم من الطوائف التي ليست عربية يعتمدون في معاملاتهم وأعيادهم على السنة الشمسية. وكانت السنة الشمسية ثلاثمئة وخمسة وستين يوما وربع يوم. وفي كل أربع سنوات يتكوّن من الكسر عندهم يوم كامل، فتكون السنة ثلاثمئة وستة وستين يوما، وفي كل مئة وعشرين سنة تزيد السنة شهرا كاملا، فتكون السنة ثلاثة عشر شهرا، وتسمى كبيسة.

وكانت الأمة العربية تعتمد في معاملاتها وعبادتها على السنة القمرية، وكانت السنة القمرية ثلاثمئة وأربعة وخمسين يوما وكسرا. ولم يكن للكسر حكم. وقد توارثوا التعامل بذلك عن إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام.

وقد وردت الشريعة الإسلامية بمراعاة السنة القمرية في آيات كثيرة منها هذه الآية التي معنا حيث يقول الله فيها: مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ والأشهر الحرم من الشهور القمرية، وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرّم. ومنها قوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ [يونس: ٥] فجعل

<<  <   >  >>