للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأنصاري يعتقدون أن الإله حلّ في عيسى، مع أنّ الإله الحق منزّه عن الحلول في غيره، فهم لا يؤمنون بوجود الإله الحق المنزه عن الحلول في غيره.

الثاني: أنهم لا يؤمنون باليوم الآخر على الوجه الذي وردت به الآيات والنصوص، فإنهم يعتقدون بعث الأرواح دون الأجسام، ويرون أنّ أهل الجنة لا يأكلون ولا يشربون، ولا يتمتعون بالحور العين، ولا يرون وجود أنهار ولا أكواب ولا أشجار مما وردت به النصوص، ويقولون: إنّ نعيم الجنة وعذاب النار معان تتعلّق بالروح فقط، كالسرور والهم، فهم لا يؤمنون باليوم الآخر على الوجه الذي وردت به النصوص.

الثالث: أنّهم لا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله محمد عليه الصلاة والسلام في الكتاب والسنة. وقيل: المراد برسوله الذي يزعمون اتباعه، وهو موسى وعيسى عليهما السلام لليهود والنصارى، بل حرّفوا التوراة والإنجيل، وأتوا بأحكام من عند أنفسهم، فهم يخالفون أصل دينهم المنسوخ اعتقادا وعملا.

الرابع: أنهم لا يدينون دين الحق، أي لا يتخذون دين الحق دينا يعتقدون ويعملون بأحكامه، وهو الإسلام الناسخ لسائر الأديان بصريح قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران: ١٩] وقوله: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران: ٨٥] .

والتعبير عن اليهود والنصارى بالاسم الموصول للدلالة على أن الصلة علّة في الحكم، فالعلة في وجوب قتالهم أنه لم يؤمنوا بالله واليوم الآخر إلخ، وقال: مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ

ليبيّن أنّ المراد بالذين لا يؤمنون بالله إلخ هم أهل الكتاب، والغرض تمييزهم عن المشركين في الحكم، لأنّ الواجب في المشركين القتال إلى أن يسلموا، وأما الواجب في أهل الكتاب فهو القتال أو الإسلام أو الجزية، وقوله: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ غاية لانتهاء القتال.

والجزية: اسم لما يعطيه المعاهد على هذه، مأخوذة من: جزى الرجل العامل أجره يجزيه، إذا أدّى ما وجب عليه للعامل من أجره، فكذلك إذا أدّى المعاهد الجزية فقد أدّى ما وجب عليه. وقوله: عَنْ يَدٍ يحتمل أن يراد باليد يد المعطي أو يد الآخذ. فإن أريد يد المعطي كان المعنى حتى يعطوا الجزية إعطاء لا تمتنع يدهم عن أنّ تمتد به، فيكونون منقادين طائعين، فإنّ من أبى وامتنع لا يعطي يده، ومن انقاد وأطاع أعطى يده.

ولهذا يقول: أعطى يده إذا انقاد وأطاع، ونزع يده إذا خرج عن الطاعة.

ويصح أن يكون المعنى: حتى يعطوا الجزية عن يد المعطي إلى يد الآخذ، والمراد حتى يعطوها بأيديهم نقدا لا نسيئة ولا مبعوثة على يد أحد.

<<  <   >  >>